تعرضت في حلقة يوم الأربعاء الفائت للأسباب التي تتيح للعمالة المستقدمة أن تتدرب ميدانيا في سوق العمل المحلي حتى تكتسب المهارات والخبرة ثم تغادر، وتساءلت لماذا لا تمنح نفس الفرص لكسب المهارات والخبرات الميدانية للعمالة الوطنية حتى نصل إلى الاكتفاء الذاتي. حلقة اليوم تستكمل الفكرة السابقة مع تقديم بعض الاقتراحات للسيطرة على هذا الوضع الفاسد اقتصاديا واجتماعيا وربما أخلاقيا أيضا. استمعت يوم الخميس الموافق 11 صفر 1433ه إلى مقابلة في إذاعة الرياض مع خبير اقتصادي سعودي ولفت سمعي قوله: هل تصدق أنه ليس عندنا شيء اسمه تخطيط اقتصادي؟ وزارة التخطيط ينتهي دورها عند استلام المرئيات والمقترحات من القطاع العام والخاص، حيث يتم تلخيصها وإعادة تبويبها ثم تحفظ في الأدراج. أتساءل كيف يفلح قوم يعتمدون في كل شيء على تدوير العامل الأجنبي المستقدم من دول متخلفة، بدءاً بنقل نسوانهم وأطفالهم، إلى كنس بيوتهم وترتيب غرف نومهم وطبخ وجباتهم، إلى تنظيف شوارعهم وحدائقهم ومدارسهم ووزاراتهم ودوائرهم من الغبار والقمامة، إلى القيام عنهم بمهمات البيع والشراء والنقل والتوصيل، إلى تعبئة خزاناتهم بالوقود ونفخ عجلاتهم بالهواء، إلى توصيل المياء والكهرباء والهواتف إلى منازلهم واستراحاتهم، إلى تشغيل وصيانة محطات الطاقة ومعالجة المياه، وصولاً إلى تحويل المواطن إلى كائن مستدير لا يستطيع التنفس أبعد من أنفه وتفترسه أمراض الرفاهية. التذكير بهذه الحقائق المزعجة ليست محاولة تأليب على العمالة المستقدمة لكنها محاولة كشف الأستار عن الأمراض الوطنية في سوق العمل واكتساب المهارات، كما أنها دعوة إلى السلطات العليا للتدخل وإعطاء العمالة الوطنية نفس الحق في اكتشاف الصح والخطأ بالممارسة الميدانية والمحافظة على اقتصادنا من النهب المبرمج. أعتقد أن كل ما يحتاجه تصحيح الوضع كأولويات هو: 1. ضبط ساعات العمل للعامل الوطني والأجنبي حسب متطلبات منظمات العمل الدولية وحقوق الإنسان. 2. رفع الأجور وتحسين ظروف العمل الحقوقية بما يكفي لجعل الكفاءات الوطنية تستقر ماديا ونفسيا وتلتزم بمتطلبات المهنة والوظيفة. 3. إعطاء الفرصة التي منحت لموظفي الدولة المدنيين في اكتساب الخبرة بالممارسة الميدانية أيضا لذوي الكفاءات المهنية بدلا من التخلي عنهم للؤم السوق وأطماع صاحب العمل، وتعريضهم للاضطهاد والتهديد في أرزاقهم من قبل الملايين من العمالة المستقدمة شديدة الفتك والشراسة. صاحب العمل الذي يعطي الأولوية للعمالة الأجنبية في اكتساب المهارات بالتجريب والممارسة الميدانية يجب إرغامه على إعطاء نفس الفرص لأبناء الوطن وإلزامه بتحسين ظروفهم في الأجور وساعات العمل بما يتناسب مع ما يحققه من أرباح عالية، وأن يتصرف حسب متطلبات حقوق الإنسان وواجبات المواطنة والمساهمة في الاستقرار الاجتماعي. أعلم أنه ما لم تصدر الأوامر وتطيق من أعلى االسلطات فلن يتغير شيء وهذا شيء عرفناه أيضا بالممارسة والتجريب. لن يفلح قوم ناموا فوق سنام الجمل وتركوا الخطام في يد الأجير.