بعد أيام قليلة تدور عجلة الترويج، على أمل اصطياد الشريحة الأكبر من الشباب، ممن لم يحالفهم الحظ، أو ربما توفر النقد في شراء تذكرة سفر لقضاء إجازة الصيف خارج الحدود. لكن الدعاية التي تفجرها معاهد التدريب الأهلية، للأسف تجد مبتغاها من الضحايا، في وقت لا يسمع أحد صوت الضحايا إلا بعد فوات الأوان. فما أن يدخل الطالب أو الراغب في تطوير مهاراته وقدراته، على أمل تقوية شهادته الدراسية بجانب عملي بعيدا عن النظري، ويدفع من حر ماله أو مال أسرته الغالي والنفيس، حتى يجد الرد من الجهات المختصة بسهولة مفاده «شهادتك غير معترف بها»، أو بالأحرى المعهد المعني جهة غير معترف بها. بالطبع لا يعرف الشاب الجهة التي يمكن أن تعوضه عن ماله، أو حتى وقته الذي أهدر في الحصول على شهادة غير معترف بها، أو ساعات تدريب غير معتمدة، والسبب مجهول. لا يختلف المختصون على أن «التدريب تحول في الآونة الأخيرة من رسالة هادفة إلى تجارة مربحة للكثير من المدربين»، لكنهم يختلفون في أن التدريب في حد ذاته يجب أن يكون سلعة أم خارج دائرة التجارة. في البداية يؤكد عضو الجمعية السعودية للتدريب والتنمية البشرية مناع القرني أن التدريب يمكن أن يكون رسالة وتجارة أو أحدهما ولا إشكال في ذلك «لكن المهم ألا يدخل في المسألة غش ولا خداع ولا كذب، فإن كان ذلك فهنا يكون الأمر خطيرا على صاحبه، وتبعاته تتعداه إلى المشاركين المغرر بهم، وهنا نشكر للمحتسبين جهدهم ونقدر ذلك لهم ولا نثرب على من يطلب أجرا أو مالا، فهو يبذل وقته وجهده، وخاصة إذا كان ذلك مع الجهات التجارية الربحية ونحوها». وحدد القرني ما اعتبره مكمن الداء «عندما يقدم بعض المدربين عددا من البرامج التي لا يكونون مؤهلين لها، وذلك ربما يكون الغش أو نحوه، لكنه مع الوقت فلن يجدوا من يشارك معهم. أوقفنا المتلاعبين قالها رئيس مجلس التدريب التقني والمهني بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور راشد بن محمد الزهراني سريعا «تم إلغاء تراخيص وإيقاف عدد من المراكز والمعاهد الأهلية لمدة تتراوح من شهر إلى شهرين وإنذار عدد آخر، لثبوت منحها شهادات دولية وهمية لآلاف المتدربين والمتدربات تحت أسماء مختلفة»، إلا أنه حذر من انجراف المواطنين وراء الإعلانات الوهمية للدورات التدريبية غير المرخصة «إدارة التدريب الأهلي بالمجلس اتخذت العديد من الإجراءات للتأكد من الالتزام بالمعايير التي تضمن تخريج كفاءات وكوادر سعودية في تخصصات مهنية مختلفة يتطلبها سوق العمل السعودي»، مشيرا إلى أن عدد معاهد المراكز الأهلية المعتمدة في منطقة مكة 170 مركزا ومعهدا للبنين، أما معاهد البنات المعتمدة فبلغت 70 معهدا، بينما بلغ عدد المتدربين والمتدربات في هذه المعاهد أكثر من 12 ألف متدرب ومتدربة. تحذير واضح وقالتها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في تعميم واضح على مختلف المعاهد «لاحظنا قيام بعض المعاهد بالتدريب على برامج غير مرخصة على أنها دولية، وذلك الأمر يعد تغريرا بالمتدربين، ويعتبر من التحايل واستغلال حاجة الناس للتدريب، وعلى المنشآت التي تقوم بذلك بموجب اتفاقيات مع الجهات الخارجية المانحة لتقديم الاتفاقية أو الموافقة على ذلك من الجهة التي منحتها الحق في التدريب أو الاختبار إلى الإدارة العامة للتدريب الأهلية على أن تكون موثقة من الجهة ذات الاختصاص في نهاية العام، وإلا ستتعرض المنشآت المخالفة إلى العقوبات المحددة حسب الأنظمة والتعليمات». ولفتت المؤسسة أن هذه الإجراءات لا تعني الاعتراف أو الإقرار بنظامية البرامج المشار إليها التي سبقت هذا التنظيم، حيث ستكون المنشأة مسؤولة بصورة مباشرة عن كافة الشهادات التي صدرت للمتدربين في وقت سابق، ولم يتم الاعتراف بها. غير مؤهلين ويكشف رئيس لجنة التدريب والتأهيل والسعودة في الغرفة التجارية والصناعية بمكةالمكرمة المهندس الدكتور وديع أزهر أن معظم المدربين غير مؤهلين لمهنة التدريب «حيث تعج بهم الكثير من المراكز التدريبية، وبعض الأشخاص إذا قرأ كتابا أو حضر دورة تدريبية اتجه لممارسة التدريب؛ طمعا في المردود المادي، لذا تحول التدريب للأسف من رسالة مرموقة إلى تجارة لدى بعض من المدربين، وهنا يجب ألا نضيع الوقت في البحث عن الأسباب، بل علينا وضع آلية محددة لممارسة التدريب لكي تعم الفائدة لدى المتدربين». هيئة عليا ويقترح بسام فتيني عضو لجنة التدريب في الغرفة التجارية والصناعية بمكةالمكرمة إنشاء هيئة عليا للتدريب والتطوير تعنى باختبار واختيار المدربين قبل اعتمادهم «ولكي نحد من إطلاق الأسماء الرنانة على كل من أخذ دورة إعداد مدرب ثم سمح لنفسه بأن يأخذ صفة مدرب عالمي أو خبير أو مستشار في التدريب، كما أن أغلب البرامج التدريبية طغى عليها التمجيد الشخصي للمدرب لنفسه عبر تكراره لغة الأنا، ويقوم بعض المدربين بتقديم البرامج التي تهم المجتمع، دون أن يكونوا مؤهلين لتقديمها، والسبب في ذلك أن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتقني لم تقم بواجبها تجاه ذلك، فلا هي سهلت الإجراءات ولا هي قننت المراكز والمدربين، وأرى أن الحل الأمثل إيقاف المتسلقين على مجال التدريب». لسنا سيئين ويشير المدرب والباحث فهد محمد، إلى أنه لا يختلف اثنان على أن التدريب الجيد في تطوير الذات يكسب المتدرب مهارات تزيده قدرة على مواجهة مصاعب الحياة ويحسن طريقة تفكيره، ويجعله مستمتعا بحل مشكلاته «وقد أخبرني العديد من المتدربين أن البرامج التدريبية الجيدة التي حضروها قد زادتهم قدرة على التحكم في أنفسهم وفهم الحياة بشكل أفضل والاستمتاع بها». ويعتقد من وجهة نظره أن المدرب الجيد هو من تتحقق فيه الشروط التالية أولا النمو المعرفي الجيد الذي يعتمد على كثرة القراءة في الكتب وسعة الاطلاع على الجديد في المجال الذي يدرب فيه من خلال الإنترنت وغيره، وثانيا الإخلاص وصدق النية في تقديم الخير للناس وثالثا صدق العبارة ورابعا الأمانة وتحري الصدق وعدم التدليس على الناس وخداعهم، وخامسا امتلاك أدوات التدريب الجيدة من فنون الإلقاء والحماس للفكرة المطروحة والقدرة على التأثير في الآخرين، وسادسا الخبرة العملية في المجال الذي يدرب فيه، وسابعا أن يكون المدرب مقتنعا بما يدربه ويطبق ما يقوله. صناعة المدرب ويؤكد فهد أن فكرة صناعة أغلب المدربين «تعتمد لدينا على حضور دورة مدتها 21 يوما كحد أقصى، عند بعض المدربين العالميين، وأخذ شهادة تخول له بأن يكون مدربا معتمدا، ويعطي شهادات مدفوعة الثمن لمتدربيه مستقبلا يكون قد دفع ثمنها للمدرب العالمي نفسه أو لمؤسسته التدريبية، ويكون ذلك بدون امتلاك بعض من المدربين للأدوات التدريبية الجيدة، فهي تجارة يقوم من خلالها بدفع مبلغ للمدرب الدولي، ثم يستثمره مستقبلا، والذي لا يمكن أن يقوله المدرب إن شهادات التدريب التي يأخذها لا تعني جودة تدريبه، والأغلبية الساحقة منهم يكتب الشهادات التي اشتراها في سيرته الذاتية عند عرضه لسجله التدريبي، فهي وسيلته للضحك على البسطاء، فمنها عضو معتمد في جمعية كذا ومن معهد كذا ومن أكاديمية كذا، وقد تتبعت بعض هذه العضويات فوجدت أنها تشترى مقابل مبالغ مالية محددة، عبر دكاكين موجودة في بعض البلدان ويوجد لها مندوبون في بلادنا». حسب رغبة السوق ويتهم المدرب والباحث فهد محمد، بعض المراكز التدريبية، بأنها وسط هذه الفوضى لا تتورع عند التسويق لبرامجها التدريبية الجماهيرية عن خداع الجمهور عبر إطلاق ألقاب تسويقية كاذبة على المدربين مثل: عملاق التدريب، كبير المدربين، المدرب العالمي، أسطورة التدريب، نجم التدريب «فقد لاحظت أن هناك موجات تدريبية تتبع المثل المصري «السوق عاوز كدا»، حيث بدأت الموجة بموضوع البرمجة اللغوية العصبية، ثم بعد أن خفت بريق هذه البرامج، بدأ بعض المدربين بتقديم البرامج التي تهم المجتمع، بدون أن يكونوا مؤهلين لتقديمها، مثل برامج تربية الأبناء وبرامج التأهيل للزواج وبرامج الثقة بالنفس، وغيرها من برامج تطوير الذات، ثم جاءت موجة برامج أنماط الشخصية، ثم أخيرا برنامج الجراموفولجي «تحليل الشخصية من خلال خط اليد أو التوقيع»، ولا أنكر فائدة هذه البرامج، ولكن المشكلة في تضخيم الفائدة المتوقعة منها، وخداع الناس، إنسانا خرافيا سيحصل على كل شيء من خلال حضور برنامج تدريبي لأيام أو لساعات، وكأنه سيتناول كبسولة ستغير مجرى حياته، وتكتب بعض العبارات التضليلية لأناس حضروا برنامجا سابقا لنفس المدرب. ويشير المدرب إلى أنه من خلال حضوره بعض البرامج التدريبية أو السماع عن بعضها عاصرت بعض الوقائع التي تحكي بعض واقع التدريب لدينا أنه في أحد البرامج التدريبية لم يعمل جهاز العرض البروجكتور، فقال المدرب: أنا أدرب مدربين في كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات، فانتظر الحضور مشدوهين بعد هذه الكلمات التي تنم عن ثقة متناهية، فبدأ المدرب يتحدث عن سيرته الذاتية وأنه قد اخترع نظريات تم الاعتراف بها عالميا، وبعد فترة بدأ المدرب في قراءة محتوى البرنامج التدريبي الذي تمت طباعته للحضور، بطريقة ذكرتني بالقليل جدا من مدرسي الابتدائي ثم فجأة ألقى بهذه الوريقات على الأرض قائلا عبارة ما زالت ترن في أذني، وهي: كفاية سلق بيض، ثم قال للجمهور باستخفاف بالغ بهم: أنتم حضرتم مجانا لذلك سنختصر مدة الدورة، مضيفا: لدي برنامج تدريبي آخر ولكن بمبلغ 300 ريال» .