تبدو الأجساد متشابهة حين تصاب بالأمراض، لكن الدواء ذاته لا يترك نفس الأثر داخل كل جسد ما لم تقبله النفس وتؤمن به. فالإنسان من الخارج لا يمكن النظر إليه كموضوع مجرد ما لم نفصل عنه الذات، التي ما أن تضاف إلى هذا الجسد حتى يصبح كائنا مختلفا عن الكائنات الأخرى. وتمتلك هذه الذات الداخلية قدرة متفاوتة في التفاعل مع الأشياء من حولها؛ ولهذا فإن الدواء الواحد حين يترك أثرا فهو ليس بالضرورة أثرا متساويا في تفاعله، وذلك لاختلاف الأشخاص بعضهم عن بعض، واختلاف ذاتهم الباطنية التي لا يكون الطبيب قادرا على معرفتها ببساطة، في ظل تعامله مع المريض كموضوع أو حالة باعتباره جسدا. ويحكى أن هناك طبيبا مشهورا ليس لأنه جيد بل لأنه نجح في علاج حالات كثيرة، يئست من العثور على طريق الشفاء، وكان يتقاضى خمسة أضعاف أجر أي طبيب آخر. وحين سئل عن سبب هذا النجاح رغم كلفته المرتفعة أجاب أن نجاحه يكمن في النواحي الأخرى التي تصب أيضا في مهارته التي تزداد مع كثرة الممارسة، وأن السر في المريض حين يدفع خمسة أضعاف ما يدفعه لغيره من الأطباء فهذا يعني أن المريض قرر أن يبقى على قيد الحياة برغبته في الشفاء، وهذا بحد ذاته دافع نفسي للمريض ويجعل الطبيب يدرك نجاح الدواء؛ لأنه عرف مسبقا وجود تلك الإرادة القوية التي تحلى بها مريضه حين قرر أن يدفع مبلغا كبيرا له، رغم أنه يستطيع فعل الشيء نفسه بسعر أقل! أحيانا يبدو لي ذلك كالأوهام التي تثبت في أغلب الأحيان أنها أقوى من الدواء، وطالما كانت الذات مقبلة بقناعة وإيمان بنجاح العلاج فهي بذلك تكون قد امتلكت القوة القادرة على هزيمة المرض. ولهذا نجد في المقابل نجاح بعض الحالات المستعصية على الطب الحديث التي كانت غير قابلة للتفاعل مع الدواء الكيميائي لتجد الشفاء عند بعض المشعوذين أو الدجالين الذين يقومون بعلاج المرضى بطقوس مختلفة لكنها تترك أثرا أقوى في باطن النفس التي تختبئ خلف الجسد، ولا تكتفي بتناول جرعة موصوفة وتنتظر النتائج وحدها.