* إلى: بدر بن ناصر الراشد وكأن رجلا يفرد مخيلته لنمو عشب ذاكرة قيل عنها إنها حادة كالسكين فلا تفكر في سنها، أنت أول من سيسيل دمه، وأنت أول من سينزف وجعا يليق بالمدن التي مررت بها دون أن تتوقف لزمن يليق بها. عندما تسمع صوت تلك المدينة يخترق ضمير العالم فإنك تقول: «مررت من هناك». لكنك تتذكر جيدا عقوقك، لحظاتك التي كنت تلهث مبتعدا كانت تصرخ بك: «توقف، هنا مدينة تتوالد في المستقبل وسيخلدها التاريخ». لكنك تسمع كل هذا متأخرا جدا. أن تنظر باتجاه مدينة كمسقط، سائرا في الاتجاه الصحيح، عابرا البريمي برا، تثابر بجهد كي تصل في موعدك المحدد، وأن تكون قد بلغت الجهد في رحلة بدأت برا من الرياض ولم تتوقف إلا على حدود الإمارات ثم في استراحة قبيل بلوغ مدينة أبوظبي بقليل، كل هذا لن يجعلك تتجاهل مرورك ب «صحار»، حتى وإن أردت. لأن تضاريسها مختلفة جدا وشاهقة، وطريقها شديدة التعرج للمرور بسفوح جبال تقف شامخة وسط أودية نفت حصباؤها الرمال وبقيت وكأنها تريد أن تنقي شموسها الحادة والرأسية. الشموس التي ربما جعلت من صحار مدينة فريدة. «صحار» مدينة شديدة الأنفة، كما تقول تضاريسها، ووعرة جدا إلا على الحب كما قالت هي لاحقا. هي الآن محور الصناعة في سلطنة عمان، ولعلها لهذا تريد صناعة التاريخ الجديد للسلطنة، وكانت من قبل من أهم مدن الملاحة في الخليج العربي، وتعتمد في اقتصادها على صيد الأسماك. إلا أن من يمر بصحار، ولو على عجل، سيدرك أن طبيعتها الجغرافية متباينة، فهي شريط ساحلي، وقرى، ومنطقة جبال، وكأنها تريد أن تجعل من تنوعها طريقة لجعل التعدد والتنوع واقعا طبيعيا ومقبولا، لهذا كانت تدلي بشهادتها هذه على هيئة تضاريس مختلفة جدا ولكنها «متكاملة» جدا. أخيرا، عبرت صحار منذ أربع سنوات، حتى قبل أن أعرف أن اسمها القديم هو «مجان»، أي جبل النحاس، وحتى قبل أن أعرف أنها ميناء العالم العربي الذي كان مفتوحا على حضارة الشرق كالصين والهند، لكنني كنت على ثقة أنها مدينة يضعها تنوعها الجغرافي، وتاريخها الطويل، في المقدمة حين يتعلق الأمر بإرادة الحياة.