في وقت باتت الساحات المحيطة بالحرمين الشريفين ساحة للمتسولين الوافدين، كشف رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة بالغرف التجارية والصناعية سعد جميل القرشي أن وزارة الحج أبلغت جميع شركات ومؤسسات العمرة بفرض ضوابط وشروط على استقبال طلبات من يثبت عجزهم عن أداء العمرة أو مناسك الحج، بغية عدم استغلال الشعائر الدينية في ظاهرة التسول. ونفى أن يكون من بين الزوار والمعتمرين الحاليين متسولين أو حتى باعة جائلين، أو ممن يقومون ببيع زمزم العشوائي، مؤكدا في الوقت ذاته أن الكثير من هؤلاء هم عمالة وافدة غير نظاميين من مخالفي نظام الإقامة والعمل، وليسوا من المعتمرين حيث يشهد موسم العمرة سنويا توافد أكثر من أربعة ملايين معتمر لمكةالمكرمة. وفيما بدأت الإشارات تتجه لخلل ما ربما كان سببا في امتهان التسول، أصبح البحث عن مكمن الخلل يشكل صعوبة بالغة للجميع، حيث إن أصابع الاتهام تشير إلى المعتمرين الوافدين الذين يصلون زرافات شهريا في مثل هذا التوقيت إلى الأراضي المقدسة، ثم يتخلف منهم الآلاف أو يمتهنون العمل خلال الموسم بما يضمن لهم العودة في توقيت مناسب بغرض التربح مجددا، ويبقى السؤال هل المعتمرون سبب التسول أم أن المقيمين هم من يتوارون عن الأنظار في فترات غير العمرة، ليظهروا كمتسولين في فترات العمرة، لتشويه الصورة، ويختلط الحابل بالنابل، ثم أليست الرقابة الوسيلة المثلى لمنع هذا الأمر، أم أنه لا يعقل أن تشكل فرق عديدة لمنع الأمر، والواجب يفرض التوعية على القادمين من المعتمرين، حتى لا يشكلوا الخلل في توفير المادة لمثل هؤلاء المسترزقين، أم أنه يجب تكثيف دور الجهات الخيرية بصورة تجعل المعتمرين القادمين يعرفون إلى أين يلقون تبرعاتهم وهباتهم، بما يضمن لهم الوصول الحقيقي إلى الفقراء والمحتاجين، وليسوا لصوص التسول. الرقابة أولا أوضح عضو مجلس الإدارة المتحدث الإعلامي للغرفة التجارية والصناعية بمكةالمكرمة ماهر بن صالح جمال أن مراقبة الظواهر السلبية ليست من أدوار الغرفة التنفيذية، وإن كانت من المظاهر التي تعمل الغرفة على معالجتها بالتواصل مع الجهات ذات الاختصاص لأنها تضر بمصالح التجار والتجارة. وأوضح الناطق الإعلامي لشرطة العاصمة المقدسة المقدم عبدالمحسن الميمان أن هناك لجنة مشكلة من عدة قطاعات، وهي لجنة الظواهر السلبية والتي تتابع المتسولين والباعة الجائلين وغيرها من الظواهر السلبية: «والتي أصبحت محدودة وبنسبة ضئيلة خاصة في المنطقة المركزية». وأشار إلى أنه نفذت أخيرا حملة «ضياء» الأمنية بمشاركة الطوارئ والدوريات والمرور والجوازات والمجاهدين، بشارع المنصور وتعبئة ماء زمزم كدي: «أسفرت الحملة عن القبض على 60 مقيما من باعة زمزم والباعة الجائلين ومتسولين ومخالفي أنظمة الإقامة والعمل، وسلموا جميعا لإدارة الوافدين، والحملات مستمرة وفق جدولة معينة». موسم التربح لكن عددا من المواطنين عدوا موسم العمرة موسما مربحا وفرصة ذهبية، يقوم باستغلالها المتسولون والباعة الجائلون، حيث ينتشرون في عدد من شوارع وطرقات مكةالمكرمة مستغلين في الوقت ذاته توافد أعداد كبيرة من الزوار والمعتمرين الذين قدموا لأداء مناسك العمرة. وحسب رؤية المواطن رابح الهذلي فإن: «عددا كبيرا من الوافدين يستغلون موسم العمرة في تنشيط العديد من أنواع التجارة الممنوعة والمرفوضة، فنجد البعض منهم من يمتهن مهنة التسول، وآخرون يتنقلون ببضائعهم عند مساكن المعتمرين في الشوارع، فهؤلاء يعدون موسم العمرة فرصة ذهبية لا يمكن تعويضها لجمع أكبر مبلغ من المال، سواء من خلال استعطاف الزوار والمعتمرين، أو عند المساجد أو محطات البنزين أو في المنطقة المركزية، حيث يقف دائما المتسولون»، مشيرا إلى أن العديد من المتسولين يلجؤون إلى أسلوب استمالة قلوب المحسنين بالألفاظ المسجوعة والكلام المعبر والمؤثر، كما أنهم يستغلون الأطفال المعوقين والعجزة في استمالة قلوب سكان مكةالمكرمة وكذلك الزوار والعمار، أضف إلى ذلك أن الكثير من العمالة الوافد سواء ممن يحملون إقامات نظامية أو مخالفي لنظام الإقامة والعمل يغتنمون موسم العمرة في عملية البيع العشوائي والذي يدر عليهم دخلا كبيرا. تشويه الصورة ويجزم مدير مركز الدراسات الإسلامية بكلية الشريعة الإسلامية بجامعة أم القرى وعضو جمعية حقوق الإنسان بمكةالمكرمة الدكتور محمد السهلي أن العمالة الوافدة والسائبة شوهت موسم العمرة: «حيث يشوهون المنظر الحضاري للعاصمة المقدسة، مستغلين موسم العمرة في التسول الذين امتهنوه بكل حرفية مستخدمين الزي السعودي، كما أن البعض من هؤلاء يستخدمون العربات المتحركة في دفع المعتمرين في الطواف أو السعي، فيما هناك البعض من العمالة الوافدة ينتهز فرصة وجود أعداد كبيرة من الزوار والمعتمرين خلال موسم العمرة يبيع جوالين معبئة بالمياه على أنها مياه زمزم، ولكن وبحسب ما وصلني من أحد المسؤولين بأمانة العاصمة المقدسة فإن الكثير من هذه الجوالين ليست من مياه زمزم، بل هي مياه آبار ومياه غير صالحة للشرب يخدعون بها المعتمرين وزوار بيت الله الحرام على أنها مياه زمزم». وناشد الدكتور السهلي الجهات ذات الاختصاص بتكثيف الجولات الميدانية اليومية على أمثال هؤلاء الذين استغلوا موسم العمرة في أعمال شوهت الموسم فلابد من ردعهم ومنعهم. توجيه مفقود ويرى أستاذ الفقه بجامعة الطائف الدكتور جميل اللويحق أن الأعداد الكبيرة التي تفد إلى أداء مناسك العمرة تفتقر إلى المثل العليا، التي ينبغي التقيد بها وخصوصا في زيارة قدسية: «فمن الملاحظ من بعض الجنسيات التي تأتي بغرض البقاء لموسم العمرة من أجل التربح من التسول أو التربح بوسائل أخرى ممنوعة، وعلى الرغم من محدودية العدد من الذين يمارسون بعض الظواهر السلبية إلا أنها تعد أمرا مقلقا». وتمنى الدكتور اللويحق مشاركة مؤسسات الطوافة في موسم العمرة لتقوم بدورها كما تقوم به في موسم الحج وأيضا ينبغي تثقيف هؤلاء المعتمرين قبل المجيء لأداء مناسك العمرة من بلدانهم، كذلك زيادة توعية المعتمرين بالمحاضرات سواء في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، بحيث تكون هذه المحاضرات تثقيفية للمعتمرين وأن تلقى بعدة لغات لتعم الفائدة للجميع. رسائل توعية وقال رئيس الشؤون الإعلامية بمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الدكتور عثمان قزاز إن أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بجامعة أم القرى الأمير خالد الفيصل وجه في شهر رمضان الماضي بإعداد دراسة لصياغة رسائل توعوية عن أضرار الظواهر السلبية على المجتمع والحجاج والمعتمرين والزوار، وذلك بالتنسيق مع وزارة الحج وأمانة العاصمة المقدسة ووزارتي الشؤون الاجتماعية والثقافة والإعلام، مشيرا إلى أن الدراسة تتمحور حول التعرف على السلوكيات السلبية والمنعكسة آثارها على الخدمات الحكومية، مؤكدا في الوقت ذاته أن الدراسة ستخلص إلى وضع خطة متكاملة وشاملة لبرنامج الحملة التوعوية, مبينا أن الدراسة ستعتمد على منهج الدراسات الكمية باستخدام الإحصاءات العددية للظواهر والمشكلات معتمدة على أداء الاستبانة المباشرة إلى جانب الاعتماد على منهج الدراسات النوعية، مضيفا بالقول إن المعهد سوف يقوم بالعديد من الدراسات حول الظواهر السلبية وإيجاد الحلول المناسبة لها .