الحراك المدني في المملكة مستمر منذ عقود وبأشكال وآليات مختلفة، ومطالباته متعددة، لكنه تجمع على أهمية المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، ومن ذلك بالطبع عملية الانتخاب في المجالس البلدية التي أعيد العمل بها في العام 2005 وتدخل تجربتها الثانية هذه الأيام بعد تعثر لمدة عامين. ولم يتم تطوير أية آليات في هذه الدورة عما كانت عليه في الدورة الأولى، رغم ما طرح من وعود من الجهة المسؤولة عن ذلك وهي وزارة الشؤون البلدية والقروية في الدورة السابقة وخاصة فيما يتعلق بانتخاب جميع الأعضاء، وتوسيع صلاحيات المجالس البلدية، ومشاركة المرأة. وبما أن إقرار العملية الانتخابية للمجالس البلدية يعتبر مكسبا مدنيا للمطالب الممتدة على مدى العقود الماضية، فإن محاولة التفريط فيه من خلال الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات من البعض، تعتبر في نظري خيانة للحراك المدني، ومحاولة بائسة للتشويش على الجهود التي تبذل في هذا النطاق. نعم.. تعتبر مشاركة المرأة مهمة، والمطالبة بها تعتبر حقا مشروعا لمن يرى ذلك، لكن الوقوف عند ذلك والقول إما بمشاركة المرأة الآن وفورا وإلا فلا نريد عملية انتخابية، هو تصرف غير ناضج. نحن ما زلنا في بداية عملية توسيع الثقافة الانتخابية، وإشاعة ثقافة المشاركة، وعلينا ومن خلال ما يتحقق على الأرض الاستمرار في تكريس هذه الثقافة، والمطالبة المستمرة بتوسيعها لتشمل كافة أعضاء المجالس البلدية إضافة إلى التركيز على أهمية توسيع وزيادة صلاحيات المجالس البلدية لتشمل بمظلتها كل ما يتعلق بالخدمات المحلية في المدن والمحافظات، وتفعيل الدور الرقابي والتشريعي في هذا المجال. وصولا إلى آلية المحاسبة والتطور في سلم عمليات المشاركة الشعبية. وعلينا أن نتذكر جيدا أنه في كثير من البلدان التي سبقتنا في عمليات المشاركة السياسية كبريطانيا وأمريكا، فإن المرأة لم تنل حق المشاركة إلا في وقت متأخر جدا، وفي التجربة الكويتية القريبة منا فإنها لم تشارك إلا في الأعوام الأخيرة. ليسمح لي غالبية من ينادون بمقاطعة الانتخابات، أن أعتبر أن ما يقومون به، ليس إلا من باب المزايدة الرخيصة، ومحاولة صنع الأدوار الوهمية لأنفسهم, وأنه لا يحق لهم التحريض على هذا الأمر غير الحضاري لما فيه من تشويش على عمليات الحراك المدني والإصلاح المستمر، لأن الإعلان عن عدم المشاركة أو التحريض على المقاطعة عمل غير صالح.