الانتخابات وسيلة عصرية تجعل أسلوب وآلية صنع القرار أقرب إلى الصواب وبالتالي يصبح أكثر فعالية كما أن سلبيات وايجابيات من يتم انتخابه سوف تنعكس سلباً أو ايجاباً على مستقبله الانتخابي لذلك تعد المشاركة الشعبية في الانتخابات وبالتالي صنع القرار دعامة هامة من دعائم الاستقرار والرضا السياسي والاجتماعي في المجتمعات المتقدمة لأن الناس هم من يحدد مسار وصياغة القرارات العامة من خلال ممثليهم داخل أروقة صنع القرار ليس هذا فحسب بل ان مثل تلك القرارات يشترك في بلورتها نخب أفصحت عن نواياها من خلال برامجها الانتخابية وبالتالي تسهل محاسبتهم ان قصروا ومكافأتهم ان اجادوا. تتيح الانتخابات فرصة للحراك الاجتماعي المكثف والذي ينتج عنه الاحتكاك والتواصل والتعاون بين ومع المؤسسات الحكومية ومسؤوليها والذي لا شك فيه ان ثقافة الانتخاب قد زرعت وأصبح لها جذور لدى شعوب الدول المتقدمة وأصبحت أساليب ممارستها وثقافة أدائها وقبول نتائجها تدرس نظرياً وعملياً لمكونات تلك الشعوب منذ الصغر عبر المقررات الدراسية وعبر وسائل الإعلام وعبر الممارسة في كل مفاصل ومؤسسات المجتمع المدني وساعدهم على ذلك أسلوب تكوين المجتمع حيث انه مبني هناك على أساس فردي أو أسري وليس للتكوين العرقي أو الطائفي أو القبلي دور يذكر مما أسهم في جعل الفوز أو الخسارة انعكاساً لكفة الحملة الانتخابية من عدمه والتي تعتمد بدورها بصورة رئيسية على المال والإعلام والمستشارين الأكفاء وهذا الثالوث يستطيع تلميع المرشح إذا كان قادرا على أداء الدور المنوط به حتى وان كان ليس الأصلح إذا كان الأفصح. وإذا رجعنا إلى مجتمعات الدول النامية وبالأخص الدول العربية نجد ان ثقافة الانتخابات محدودة من ناحية والبنية الاجتماعية تطغى عليها المناطقية والقبلية والعرقية ناهيك عن غياب ثقافة القبول بالرأي الآخر ليس هذا فحسب بل ان ممارسة العملية الديموقراطية تتم بأسلوب يعكس كثيرا من السلبيات الاجتماعية التي يتمثل بعض منها في الاسراف بالولائم والعبث بصناديق الانتخابات وفوز المرشح الوحيد بنسبة 99٪ وما كان يحدث في مصر وغيرها من البلدان انعكس على شكل عدم الرضا وبالتالي الانفجار. أما إذا رجعنا إلى الوضع في مجتمعنا المحلي فإننا نجد ان حكومتنا الرشيدة عاقدة العزم على جعل فكرة الانتخابات تصل إلى عقل كل مواطن من خلال اختيار مجالس البلديات كمحور للعملية الانتخابية لأن هذا القطاع يمس جميع شرائح المجتمع وكعادة حكومتنا الرشيدة في تبني التدرج في عمليات التحول الجذرية تأتي الدورة الثانية لانتخابات المجالس البلدية برؤية أوضح ومنهجية أفضل مستفيدة من ايجابيات وسلبيات الدورة الأولى وانعكاسات الرأي العام حولها ولعل من أهم مقومات العملية الانتخابية زرع ثقافة الانتخابات بين جموع المجتمع ليس قبيل وقت الانتخابات أو خلالها بل لابد ان يتم ذلك بصورة دائمة وعبر منهجية مدروسة تجعل لكل من التربية والتعليم والتعليم العالي والإعلام بجميع وسائله والممارسة دوراً أساسياً في زرع ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر والأخذ والعطاء وتشجيع التميز والاعتراف بتفوق من هُم أهل لذلك لأن تلك الأمور هي البذور الأساسية للثقافة الانتخابية بعيداً عن الشللية والعصبية القبلية والمناطقية والطائفية وغيرها وعندما نعلم ان تلك العناصر والأسس هي من صميم ديننا وما تدعو إليه ثقافة تراثنا نقتنع أننا قادرون على حمل لواء التحولات الاجتماعية الايجابية إذا أحسنا إعداد أنفسنا بصورة جيدة لتلك التحولات ذلك ان القفز فوق الحوافز والمعوقات الاجتماعية يعتبر مخاطرة ناهيك عن أنه يؤسس لأساليب وتطبيقات هجين تنتج مسخاً انتخابياً هزيلاً أدى إلى بلورة استقطاب اجتماعي أو حروب أهلية نسمع ونشاهد ارهاصاتها في دول قريبة وبعيدة. نعم ان العملية الانتخابية ليست غاية بحد ذاتها بل هي خطوة ضرورية وهامة في اضفاء الطابع الديمقراطي على الحراك الاجتماعي خصوصاً في زمن أصبحت ممارسة الديمقراطية مطلباً من ناحية ومن ناحية ثانية وسيلة ضغط يمارسها القوي على الضعيف كما هو حادث ويحدث هذه الأيام ليس هذا فحسب بل ان في ممارسة الديمقراطية الحقة أسلوب مراوغة تلوذ به الحكومات عند مواجهة الضغوط أو حتى التنصل من بعض الالتزامات ناهيك عن استخدام المعارضة للترجيح أو الرفض بأسلوب ظاهرة الاختلاف وباطنه الاتفاق على المصلحة العليا للوطن خذ إسرائيل مثلاً ان بعض القوى المتنفذة توظف الديمقراطية لأهداف سياسية تخدم مصالحها وليس مصالح الشعوب التي تطالب بدمقرطتها. ان ممارسة الانتخابات في المملكة قد طالت حتى الآن عدة فعاليات ومؤسسات وذلك مثل اختيار أعضاء المجالس البلدية واختيار العمد وأعضاء مجالس الغرف التجارية والصناعية وأعضاء مجالس الإدارة في البنوك والشركات المساهمة وحسب ما هو متداول فإن رعاية الشباب تعتزم وقف قرارات تكليف رؤساء الأندية وتنوي تنمية ثقافة الانتخابات في الأندية ناهيك عما يتم داخل الجامعات وهذا كله يعني أننا نسير في اتجاه تعميم ثقافة الانتخابات بتؤدة وسكينة ودون ضجيج مما يبشر بتحول تدريجي يتناغم مع وعي المجتمع وقدرته على الاستجابة لمثل هذه التحولات. وعلى العموم فإن للانتخابات فوائد وانعكاسات ايجابية نذكر منها: * تتيح الانتخابات فرصة للحراك الاجتماعي المكثف والذي ينتج عنه الاحتكاك والتواصل والتعاون بين ومع المؤسسات الحكومية ومسؤوليها. * تتيح الانتخابات توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اختيار ممثلها وتتيح للمرشح مجالاً أوسع للتعامل مع شرائح المجتمع المختلفة من أجل التعرف على مطالبها وحاجاتها وهمومها. * تتيح الانتخابات توسيع قاعدة الخبرة لدى عدد من الأطراف تشمل الجهات المشرفة على إدارة العملية الانتخابية والمرشحين بالإضافة إلى الناخبين وذلك في ميادين العملية الانتخابية والعمل العام وغيرها. * الانتخابات النزيهة يتم من خلالها اختيار الأكفأ وهذه تسد باباً من أبواب الفساد والمتمثل في المحسوبية وتقديم الأقل كفاءة على الأجدر. * إعداد البرامج الانتخابية واشهارها سوف يكون له دور في توعية الناس اتجاه حقوقهم التي يجهلونها ويحدد أساليب المطالبة النموذجية بتحقيقها ناهيك عن زرع ثقافة قبول الرأي الآخر. * عن طريق الانتخابات يصل صوت المواطن عبر ممثله في المجلس البلدي إلى صاحب القرار في الجهة المعنية. أما ما يتعلق بحيثيات العملية الانتخابية فيمكن ان نشير إلى أهمية الأخذ بالاقتراحات الآتية: * ان يتم انتخاب ضعف العدد المطلوب لكل مجلس بلدي بحيث يصبح لكل فائز احتياطي بديل يحل محله في حالة تعذر استمراره في العمل لأسباب صحية أو شخصية أو انتقاله إلى عمل آخر أو وفاته لا قدر الله أو الاستقالة أو غيرها من الأسباب كما ان ذلك باب من أبواب الحث على الاجتهاد. * يجب على كل مرشح ان يكون لديه ثقافة شرعية وقانونية بحقوقه وواجباته لأن ذلك سوف ينعكس ايجاباً على حملته الانتخابية. * الاستفادة من أساليب الحملات الانتخابية في الدول المتقدمة وعدم تقليد أساليب الحملات الانتخابية في بعض الدول العربية وذلك من خلال وضع شروط وضوابط تحد من السلبيات وتدعم الايجابيات وتبين مساحة الفضاء المتاح لكل مرشح والمعتمد على قاعدة ان حرية كل إنسان تقف عندما تبدأ حدود حرية الآخرين. * اشهار صلاحيات المجالس البلدية وصلاحيات كل عضو من خلال وسائل الإعلام لضمان معرفة الناس بما هم مقدمون عليه وبما يتوقعونه من ذلك المجلس ومن ممثلهم فيه. * العمل على حث الناس على التبصر في البرامج الانتخابية والمشاركة الفعالة في الادلاء بأصواتهم لأن ذلك سوف يكون له أثر فعال في فوز الاكفأ والأفضل. * العمل على عقد ورش عمل يشارك فيها المختصون تضع تصورا لتوسيع صلاحيات المجالس البلدية وبلورة النواقص والاحتياجات المطلوب تبنيها من قبل تلك المجالس والتي تخدم المجتمع والوطن ضمن دائرة الاختصاص. * توطين ثقافة الانتخابات من خلال إرساء فعاليات وأنشطة في المدارس والكليات والجامعات عمادها التصويت لاتخاذ القرار مثل اختيار أعضاء اللجان ومقرري اللجان المختلفة ذات العلاقة بالنشاط الطلابي وكذلك من تسند إليه مهام حفظ النظام في الفصل عند غياب المدرس أو تمثيل الطلاب لدى إدارة المدرسة وغيرها من الفعاليات التي ترسي مفهوم الترشيح والاختيار والتصوت لما في ذلك من فوائد تعوّد النشء الجديد على قبول نتائج التصويت وارساء روح الحوار وقبول الرأي الآخر وحث الطلاب على التنافس الشريف الذي يؤطر لسلوكيات اجتماعية مرغوبة. نعم ان الحراك العالمي ومتغيراته العصرية يوجب علينا ان نسبر ذلك الحراك وان نحدد موقعنا داخل خريطته وبما يتلاءم مع مصالحنا ومستقبلنا وذلك حتى لا نصبح في موقع لا نحسد عليه خصوصاً مع استخدام أجندة الدمقرطة وسيلة للتدخل في شؤون الدول وخصوصياتها واستخدام عجلة الإعلام الرهيبة كمعول هدم وتشويه وقلب للحقائق وافتراء مدعوم بالصوت والصورة ناهيك عن وجود قوى متربصة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.. ولا أدل على ذلك من فقدان النظام وانتشار الفوضى ورقص الفضائيات التحريضية وتصريحات المسؤولين في الدول الكبرى وغير ذلك من المستجدات التي غيرت المفاهيم السائدة عن محرمات التدخل في شؤون الآخرين واحترام سيادة الدول والشعوب. والله المستعان،،،