في حقبة ما قبل الإنترنت وعهد ما قبل التعاملات الإلكترونية كانت الطريقة الأسهل التي يسلكها موظف سيئ المزاج للتخلص من مراجع حضر في الوقت الخطأ بالنسبة لمزاج الموظف طبعا هي أن يسمّعه بصوت واضح ومسموع «راجعنا بكرة» وهي العبارة التي لا تعني مهما كان المراجع ذكيا سوى أن يجمع أوراقه المتناثرة داخل ملفه الأخضر ثم يتأبطه جيدا وأن يؤيم وجهه شطر منزله! أما حين «يسمع المراجع الكلام» ويحضر في صباح الغد فإن احتمالية أن تصدق عبارة «راجعنا بكرة» ما زالت ضعيفة، فما من ضمانات كافية لأن يصبح مزاج الموظف جيدا ذلك الصباح، لذا فإنه من الممكن جدا أن يستمع لجملة أخرى من قبيل «السستم عطلان» وهي الجملة التكتيكية الأخرى التي يستخدمها موظف سيئ المزاج حين يشك أنه قد استخدم «راجعنا بكرة» مع المراجع الماثل أمامه! وأمام تلك البيروقراطية القديمة لا يتبقى للمراجع المسكين سوى استعراض قائمة الأسماء في دفتر الهاتف عله يعثر على اسم يتميز بعلاقات عريضة ليفتتح مكالمته معه بعد سلسلة من ال «كيف حالك؟» ب«تعرف أحد في...» وهي العبارة المثيرة للشفقة التي يستخدمها أحد البائسين حين تنقطع أمامه السبل لإنهاء معاملته السجينة! الكلام السابق كان في الماضي، أما اليوم في عهد الإنترنت وحقبة التعاملات الإلكترونية فأصبح الوضع مغايرا جدا، فكل ما عليك لمتابعة معاملتك العالقة أو طلب التقدم لوظيفة جديدة هو فقط ملء الاستمارة الإلكترونية التي ستجدها في الموقع ثم تحميل كل الوثائق التي ربما تساعد طلبك للنجاة ثم ضغط زر enter وهو الزر الذي يخولك للحصول على رقم طلب خاص بك! ثم ماذا؟ لا شيء، سوى أنك ستفاجأ في كل مرة تحاول الاطمئنان فيها على سير معاملتك الإلكترونية البائسة بعبارة «الطلب تحت الدراسة» وهي العبارة الإلكترونية المرادفة لعبارة «راجعنا بكرة»! ولأن الطلب سيستمر تحت الدراسة اليوم وبعد ستة أشهر وبعد أربع سنوات، فلم يتبق إلا أن تخرج جوالك المحمول لتستعرض قائمة الأسماء علك تعثر على اسم يتميز بعلاقات عريضة لتفتتح مكالمتك معه بعد سلسلة من ال «كيف حالك؟» ب«تعرف أحد في..» وهي العبارة المثيرة للشفقة التي يستخدمها أحد البائسين حين تنقطع أمامه السبل لإنهاء معاملته الإلكترونية!