رفضت الجمعيات الخيرية تمويل أطفال سعوديين، ليعيشوا حياة على قدر الكفاف، بدلا من الخروج لقارعة الطريق، يتسولون لقمة العيش، بعد وفاة عائلهم الوحيد. لكن المبرر الذي صاغته تلك الجمعيات، كان عبارة عن «نعتذر عن دعمكم، لأن أمكم ليست سعودية». ولم تعتقد أم ناصر «عربية وافدة» يوما من الأيام أن وفاة زوجها السعودي قبل 12 عاما نتيجة لمرض ألم به، سيكون بداية لرحلة جديدة من المعاناة والتعب ازدادت يوما بعد يوم نتيجة لمتطلبات الحياة المستمرة. رحل الأب، وتركها وحيدة تصارع الحياة لستة من الأبناء لتصبح هي الأم والأب معا لهؤلاء الأيتام، فيما لا حول لها ولا قوة، غير الدموع لتجد نفسها مكبلة الأيادي أمام مهمة تصعب أحيانا على الرجال. لجأت الأم مثل الأخريات للجمعيات الخيرية، أملا في وقفة معها، تعينها على الحياة، خاصة أن تلك الجمعيات مكلفة بهذا الدور، إلا أن الرد جاء بعيدا عن التوقعات أو حتى أسوأ الاحتمالات، التي كانت تفكر فيها من عدم بلوغ الدعم المستوى المأمول، الأمر الذي يضاعف على كاهلها الأعباء المعيشية. قدمت أم ناصر التي تسكن بأحد الأحياء الفقيرة جنوبالرياض، طلباتها المستعجلة، لتلك الجمعيات، لتعود بخفي حنين: «توفي زوجي أبو ناصر قبل 12 عاما، حيث كان يعمل مستخدما في إحدى الوزارات، وترك لي ولدين وأربع بنات، ومن هنا بدأت المعاناة كما تقول مع الفقر والعوز، فتكاليف الحياة والأعباء المعيشية كانت تزداد يوما بعد يوم، خاصة مع كبر الأبناء والتحاقهم بالمدارس والتي ضاعفت المعاناة وأثقلت كاهلي كونهم يحتاجون إلى الكثير من المصاريف، وقد اضطررت لتزويج اثنتين من البنات رغبة في تقليل الحمل والأعباء علي، خاصة في ظل تحملي بمفردي إيجار البيت الذي نعيش فيه، والمصاريف اليومية، فيما الراتب التقاعدي الذي تركه الراحل ضعيف لا يمكنه توفير احتياجات الأبناء، ومع ذلك حاولت تدبير الأمر قدر المستطاع، وخاصة إيجار الشقة، لكن الراتب توقف فور بلوغ الابنة الأخيرة 15 عاما، لتزداد المعاناة، ولم يتبق لنا من دخل غير 950 ريالا نحصل عليها من الضمان الاجتماعي، والتي لا تفي بمتطلبات الحياة، خاصة أن إيجار الشقة التي نسكنها يصل إلى 13700 ريال سنويا بمعنى 1141 ريالا شهريا». سارعت أم ناصر للجمعيات الخيرية علها تجد المساندة والدعم: «لم ترد علينا إحدى الجمعيات الخيرية، منذ أكثر من سنة، وأخرى منذ ثلاث سنوات، وثالثة قطعت عنا المساعدة بعد أن غيرنا المسكن، وانتقلنا لسكن آخر لضيق الحال، وعندما أقفلت جميع أبواب المساعدة اضطر الابن البار بوالدته محمد الذي لم يتعد 17 عاما للعمل لكي يمسح ولو جزءا بسيطا من دموعي، والتي عجزت عنها الجمعيات الخيرية، رغم أنه لا يزال يدرس، لكنه يعود من مدرسته ليضع حقيبته الدراسية، ويحمل حقيبة البحث عن لقمة العيش فيتجه بعد اليوم الدراسي إلى أحد المحال التجارية للعمل في الفترة المسائية، لربما يخرج ولو بجزء بسيط يسد به جزءا من معاناتنا، ليكون الفرق بينه وبين أقرانه في نفس العمر أن الأقدار وظروف الحياة والعوز والفقر جعلته يتحمل المسؤولية منذ الصغر، ويحرم من أهم معاني الحياة التي يتمتع بها أقرانه». تعترف أم ناصر بأن الخيرين في المملكة، وصلوها حينما انقطع دعم الجمعيات الخيرية: «مدوا لي يد العون، ومنهم من ساهم في تأثيث المنزل، وآخرون زودونا ببعض الحاجيات، لكنني الآن ومع نهاية العام سأجد نفسي وأولادي في الشارع، كوني مطالبة بإيجار الشقة، فبادرت بطلب توفير الإيجار من الجمعيات الخيرية، لكنها لا ترد، ولا تريد أن تساعد أطفال سعوديين لأن أمهم وافدة، فما ذنبهم؟» .