يبدو أن التطور والانفتاح والتقدم الذي يشهده المجتمع السعودي، دفع بعض الشباب إلى التماشي مع روح العصر، ولكن بطرق وأساليب مختلفة، من خلال صنع ابتكارات وتقليعات غريبة تثير الانتباه، وتلفت الأنظار إليه. على الرغم من النظرة السيئة التي تطارد بعض الشباب، والاتهامات المختلفة، إلا أنهم لا يعيرون اهتماما لمن ينظر إليهم بنظرات معيبة أو يسمعهم انتقادات لما هم عليه من سلوكيات، بل إن بعض من يمارسون سلوكيات لا تكون من العادات المحببة والمقبولة لدى المجتمع، يبرر لسلوكياته وتقليعاته، بتغيير الزمن عن عصر أجدادهم أو آبائهم، ويرون أن من أبسط حقوق الشباب في هذا الزمان أن يستغلوا شبابهم وفراغهم بمواكبة صيحات الموضة المنتشرة في شتى أنحاء العالم. ولعل آخر ما وصل إليه الهوس الشبابي مع صيحات الموضة، صبغ تسريحة الشعر بالألوان، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة في أوساط الشباب موضة صبغ الشعر بالألوان، فهناك من يصبغ بالفضي والذهبي والبني، وهناك من يمزج بين ألوان مختلفة، لتتشكل على شعر رأسه تقليعة تشبه إلى حد كبير ألوان قوس قزح. «شمس» سلطت الضوء على هذه التقليعة، التي شارفت على حجم الظاهرة، وإن بدت مقتصرة على مدن بعينها، أو أحياء معروفة، والتقت عددا من الشباب الذين يمارسون هذه التقليعة، بحثا عن الأسباب والمسببات، والتعرف على المبررات من وجهة نظر شبابية. شعور بالشباب الشاب عمر، الذي لا يتعدى عمره 20 عاما، ويشتهر بلقب «هيمو» لا يعيب هذه الظاهرة «فكوني أصبغ شعري بالبني أو الذهبي أو غيره من الألوان لا يعني أنني متشبه، أو متخلف أو رجعي أو غيرها من عبارات نسمع بها من بعض من يسيئون بنظراتهم للشباب في هذا الزمن، والأمر يعد تجملا، حيث إنني في كل شهر اعتدت الذهاب إلى صالون الحلاقة، لأصبغ شعري حسب اللون الذي يرضي طموحي، فلا أخفيك سرا أنني لا أشعر بشبابي ولا حريتي إلا بصبغ شعري، وللأسف لا يزال بعضهم يراوده الحنين للعيش في مجتمع منغلق، لا يفكر ولا يرغب في التطور ومواكبة العالم، ونحن لا نخرج عن العادات والتقاليد، بل نحترمها، ولكن الزمن تغير والحياة تطورت، ومن المفترض أن يواكب الشباب آخر صيحات الموضة، طالما أنها لا تتجاوز الخطوط الحمراء، فالزمن الذي نحن فيه يحتم علينا مواكبة الموضة». ونفى هيمو أن يكون هناك تشبه من قريب أو بعيد بالنساء «غير صحيح، ولا أظن أن هناك ما يدلل على تلك الاتهامات في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة، بما ينص على أنه من يصبغ شعره باللون البني أو الفضي أو غيره يعد تشبها بالنساء، وأعتقد أنه يجب عدم الاهتمام بهذه الأمور، ما دامت ليست على أرضية شرعية ثابتة، والمؤكد أنني لن ألتفت لمن يطلقون العبارات السيئة تجاه الشباب، وعلينا أن نمارس حياتنا بشكل طبيعي، يعترف بالقيم، ولا يتراجع عن العولمة والمدنية». ليست تقليدا ولا يعرف الشاب محمد «22 عاما» الشهير بين زملائه ب «ميدا»، مفهوما لصبغ الشعور بالألوان، سوى أنه مجرد تعبير شبابي عن الفراغ الذي يعيشونه «لا أرى في ذلك تجاوزا، فهناك من يقول إننا نقلد الغرب، وبدوري أتساءل أليست قيادة السيارات وركوب الطائرات وارتداء البنطال، والشرب في الأكواب والأكل بالملاعق مصدرها من الغرب، لماذا يقبلون ما يطيب لهم، ويحرموننا من أن نعيش أيامنا، ولماذا يريدون تكبيلنا وإجبارنا على العيش مثلما كانوا يعيشون؟». ويشير إلى أنه لا يتضجر مما يقال عنه، أو عمن يواكبون هذه التقليعة «فالمهم والأهم أن نعيش، حيث سئمنا من ترديد جملة هذه الأفعال مخالفة لعاداتنا وتقاليدنا، ومستوردة من أمريكا وأوروبا، وهذا الكلام الذي لم يعد يسمن ولا يغني، فالعالم يتطور والشباب في الخارج يعيشون شبابهم ويرفهون عن أنفسهم، فيما هنا بعضهم فقط يفلح في مطاردة أفعال الآخرين بالكلام غير المقبول». ويروي شاب «فضل عدم ذكر اسمه» أنه من المداومين على صباغة شعر رأسه «كلما أردت الخروج مع زملائي، أذهب إلى صالون الحلاقة وأصبغ تسريحة شعري باللون الذي أرغبه، وحسب الزي الذي أرتديه، فإن ارتديت بنطالا أبيض أو أزرق أو ذهبيا أو غيره أصبغ شعري بلون الزي ذاته «رغم أنني كثيرا ما أجد معاتبة من قبل والدي في بعض الأحيان». عكس التيار لكن ولي أمر أحد الشباب، سعد المحري، رغم اعترافه بأنه يسبح «عكس تيار الشباب»، إلا أنه يشدد على رفضه وتحفظه على اتباع هذه التقليعة المخالفة لأبسط القيم «بعض شبابنا يعانون غياب الوازع الديني، وهذا ما يدفعهم إلى الخروج عن المألوف، وممارسة بعض السلوكيات التي اعتبرها منافية للآداب العامة، وللأسف أعتقد أن الآباء والأمهات قصروا في تربية وتثقيف أبنائهم، فصبغ الشعر بالألوان أصبح عادة شبابية، وكلما ذهبت إلى مكان عام أو مررت بشارع أو دخلت سوقا أجد عددا كبيرا من الشبان، وقد زينوا شعورهم بألوان مختلفة، حتى تعتقد أنها شعور مستعارة، أو ما يسمى باروكات، ولكن سرعان ما اكتشفت أنها شعور أصلية مصبوغة، ما يؤكد أنها تقليعات لا تمت لمجتمعنا وعاداتنا بصلة، وتنتشر للأسف في العديد من المدن في مقدمتها جدة، حتى من يرى التقليعات الغريبة يكاد يجزم بأنه في مجتمع غربي». تشبه أعمى ويرى عبيد الزهراني أن هذه التقليعات ليست إلا تشبها بالغرب والنساء «يجب على الجهات المختصة سواء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حتى الشرطة، أن تقوم بواجبها نحو محاسبة ومعاقبة هؤلاء الشباب، وكذلك صالونات الحلاقة التي تنفذ طلبات هؤلاء الشباب الذين أعتقد أنهم لم يجدوا محاسبة من أهاليهم». واستغربت فاطمة محمد مبادرة الشباب في هذه التقليعة «فزينة الشعر للنساء وليست للرجال، والشباب الذين يمارسون هذه السلوكيات المخجلة، أرى أنهم يفتقدون الرقابة من قبل الأب والأم، وليس صحيحا أن الفتيات يجذبهن لون شعر الشباب، بل أجزم بأنه لا توجد فتاة عاقلة تنجذب إلى هؤلاء الشباب، كون المظهر غير لائق للشاب تستنكره الفتاة والمجتمع، لأن من يتشبه بالنساء ويستخدم أدواتهن يعاني نقصا في العقل». سر التقليعة ويجزم أستاذ علم الاجتماع الدكتور أبوبكر باقادر بأن هذه التقليعة لن تستمر طويلا، مثلها مثل الكثير من التقليعات التي تسببت الأفلام والمسلسلات التليفزيونية الأجنبية فيها «أعتقد أنها لن تظل طويلا، حيث إن المسلسلات الغربية والأفلام ووسائل الإعلام المفتوحة، لفتت نظر الشباب فأصبحوا يقلدونهم من باب الموضة، مثلها مثل القمصان التي سبق أن ارتدوها، وأصبحت الآن تتقلص لوعي بعض الشباب وشعورهم بأنها سلوك غير جيد، وتقليعات الفنانين هي التي جعلت الشباب يقلدونهم». واعتبر المجتمع مكلفا بمتابعة هذه التقليعات، لرفضها إن لزم الأمر والتعامل معها في وقتها «يفترض أن ينتقدها المجتمع، خاصة إذا كانت مخالفة للآداب العامة والأعراف والتقاليد، وعلى الأسرة أن تنصح أبناءها وترشدهم للطرق الصحيحة، إضافة إلى المدرسة، فيفترض أن تفعّل وتقوم بدور الانضباط والالتزام والتوعية لمثل هذه السلوكيات». موضة عابرة وخفف باقادر من حدة المخاوف التي تنتاب بعضهم من استمرارية هذه العادات «ليست سوى موضة عابرة، ولن تكون ظاهرة، كون المجتمع والإعلام سرعان ما ينتقدون ويقفون ضد كل ما يخالف العادات والتقاليد، ولا شك أن الشباب ولكونهم يعيشون أوقات فراغ وفي داخلهم روح شبابية، ويتعلقون بالموضة وبكل ما هو جديد من صرعات وموضات، فهو أمر علينا ألا نستغربه، ولا نعطيه أكبر من حجمه من حيث المبالغة، وأن الأمة الإسلامية قادمة على خطر عظيم، وكل المطلوب هو الاعتراف بأنها سلوكيات تستحق فقط أن نقف عندها للتوعية وانتقادها بصورة سليمة». يجوز ولكن لكن عضو مجلس الشورى أستاذ الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى الشيخ حاتم الشريف، يعتقد أن الأمر يجب وضعه في موضعه الصحيح من حيث النظرة الشرعية، مشددا على أنه «يحرم شرعا صبغ الشعر بالألوان إن كان تشبها بغير المسلمين، وتشبها بالنساء في حالة كان ذلك خاصا بالنساء، ولا يحل ذلك إلا للنساء، مع العلم أن هناك أمورا تخص النساء، ولكن من حق الرجل أن يفعلها، كإطالة الشعر على سبيل المثال، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل شعره، فيما الأمر الثالث أن يكون فيه قبح يؤذي الناظرين، حين يشوه خلقة الله عز وجل، وينتج من ذلك اشمئزاز نفوس الآخرين عند النظر إليه». وأوضح أنه إذا لم يكن صبغ الشعر بقصد التشبه بالكفار أو النساء أو إيذاء الآخرين وتشويه خلق الله بصورة قبيحة، فالأصل في ذلك الإباحة ما لم تستخدم كذلك بهدف الخداع والتدليس وتغيير الشكل لأغراض سيئة، فهنا يحرم أيضا «لا يوجد ما يحرم صبغ الشعر بالنسبة إلى الرجال بالألوان، ولكن من الأحسن أن تكون الصبغة لكل الشعر بصبغة واحدة، دون أن يجعلها ممزوجة بعدد من الألوان» .