كشفت تقرير خاص لوزارة العمل (حصلت «شمس» على نسخة منه) عن عدم ثقة الشباب السعوديين بحملة الشهادات العليا في الوظائف التي يوفرها سوق العمل، وانصرف الغالبية العظمى منهم إلى وظائف حكومية يتم التقديم لها من خلال وزارة الخدمة المدنية أو مباشرة عبر الجهات الحكومية. وأكد التقرير أن عدد طالبي العمل من حملة الشهادات العليا بلغ 62 موطنا ومواطنة فقط خلال عام 2010، وأن معظم المتقدمين يقطنون في المنطقة الشرقية ومنطقة الرياض، مشيرا إلى أن منطقة الجوف هي الأقل طلبا للوظائف التي تتيحها وزارة العمل بين بقية المناطق الأخرى. وأشار التقرير إلى أن سوق العمل تعاني مشاكل عدة فاقمتها الحاجة الماسة لاستقدام العمالة الوافدة بأعداد كبيرة، وبرر ذلك لعدم مواءمة مخرجات منظومة التعليم والتدريب والتأهيل المحلية باحتياجات سوق العمل ونمو عرض القوى العاملة بوتيرة أسرع من نمو الاقتصاد الوطني، وأوضح أن الاعتماد على خلق الوظائف والاستمرار في سياسات التوظيف الحكومية كشف ترهل القطاع العام وأسهم في ارتفاع فاتورة بند الرواتب والأجور. وطالب أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور أسامة فلالي بالعمل على إعادة تأهيل وتدريب حملة الشهادات العليا وإكسابهم مهارات جديدة يحتاج إليها السوق بحيث لا يتمسكون بالشهادات التي يحملونها، وأضاف «العزوف عن الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص مبرر، لأن معظم الوظائف لا تستوعب حملة الدكتوراه، مع إقبال لا بأس به على توظيف حملة الماجستير في تخصصات معينة مثل الهندسة والكمبيوتر والتسويق، أما حملة البكالوريوس والدبلومات الفنية فيجدون فرصا أكبر». موضحا أن عدم توظيف حملة الشهادات العليا يعود إلى كون تخصصات معظمهم متوافرة، وقد تشبع بها القطاعان الحكومي والخاص. واعترف بوجود تخصصات أعلى من المطلوب في سوق العمل: «الحاصل على شهادة الدكتوراه مكانه الطبيعي في الجامعات، لكن للأسف كثير من التخصصات فيها وفرة، وأصحاب هذه الشهادات لو كانت تخصصاتهم نادرة لاستوعبتهم الجامعات، أما إذا كانت تخصصاتهم متوفرة فليس أمامهم سوى القطاع الخاص الذي لا يتيح الفرص الجيدة لهؤلاء في الغالب». وحول الحلول ومدى تأثير ذلك في سوق العمل، أجاب: «لا بد أن يعاد تأهيل حملة الشهادات العليا ليكتسبوا مهارات جديدة ويتخصصوا في العلوم الإنسانية الآداب وغيرها، فإذا استطاعوا أن يتحولوا إلى اكتساب مهارات أخرى في الكمبيوتر والتسويق لكي يغيروا مجال التخصص فهذا حسن». وفيما إذا كان هذا العزوف سيتيح فرصا أكبر للعمالة الوافدة في السوق السعودية ويفاقم مشكلة البطالة رد: «السوق السعودية غريبة، تحتوي على بطالة في أوساط المواطنين السعوديين وفي المقابل ملايين الأجانب يعملون في مختلف المهن، وهذه الظاهرة لا توجد إلا في دول الخليج العربي». وأكد على ضرورة إعادة هيكلة سوق العمل والتركيز على التدريب واكتساب المهارات لكي تتم عملية الإحلال، إضافة إلى تغيير المفاهيم الاجتماعية الخاطئة التي تنظر لبعض الأعمال نظرة احتقار كالعمل في مهن الحلاقة والسباكة والطهي وغيرها. وأكد رئيس دار الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز داغستاني أن القطاعات الحكومية تشكو من ترهل وظيفي، وأن كثيرا من الوزارات لديها فائض في أعداد الموظفين وتستطيع إذا طبقت أنظمة إدارية بعيدة عن البيروقراطية أن تؤدي عملا أفضل بموظفين أقل. واعتبر وظائف القطاع العام حاليا ضئيلة جدا، وأن الموظف الرئيسي في الاقتصاد السعودي هو القطاع الخاص. وألمح إلى أن «الكادر الوظيفي لحملة الدكتوراه في خارج إطار الجامعات رواتبهم متدنية جدا، بالتالي لا تكون بعض الوظائف مناسبة لهم فيلجؤون إلى القطاع الخاص الذي يقدم رواتب أعلى ومميزات أفضل». وأكد أن القطاع الخاص لا يقبل بتوظيف أشخاص إن لم يكونوا مؤهلين سواء كانوا حملة دكتوراه أو ماجستير، مشيرا إلى أن فرص العمل في القطاع الخاص متاحة بشكل جيد. واعتبر المحلل الاقتصادي وعضو مجلس الشورى الدكتور إحسان أبو حليقة أن القطاع الخاص أكثر إغراء بالنسبة للشباب الباحثين عن عمل لتوافر الفرص «كثيرون من حملة الشهادات العليا يلجؤون إلى الخدمة المدنية طمعا في الوظيفة الحكومية، لكن ذلك لا يعني عزوفهم عن القطاع الخاص القادر على استيعابهم أيا كانت تخصصاتهم». وأوضح أن المواقع الإلكترونية تعج بطالبي العمل من السعوديين الحاملين لشهادات جامعية ومؤهلين بشكل جيد، ومعظمهم يتطلعون إلى العمل في القطاع الخاص القادر على توليد الفرص الجديدة واستيعاب الجميع .