لم يتوقع عدد من المواطنين، أنهم يسيرون بقصر نظر، إلا بعدما وجدوا أنفسهم أمام الحقيقة المرة، في ردهات مركز الفيصلية بالرياض، إثر خضوعهم لكشف مجاني في إطار فعاليات يوم البصر العالمي التي نظمتها اللجنة الوطنية لمكافحة العمى «لمع» أمس الأول. وحسب الخاضعين للكشف فإن نظرهم سليم 100 %، لكن ما إن وضعوا أعينهم في أجهزة الكشف حتى خرجت النتيجة: «إصابة بقصر النظر، فيما آخرون بطول النظر، والفئة الثالثة مدعوة للمراجعة قبل فوات الأوان». الشاب حسن قاسم، الذي لم يتردد في الخضوع لجهاز الكشف، اعتقادا أنه سيمر مرور الكرام: «قلت لرفاقي إنني سأمر مثل السيارة الجديدة في الفحص الدوري وستضاء لي المصابيح الخضراء، لكنني توقفت مع أول إشارة، وفوجئت بالنتيجة بقصر النظر، وهذه أول مرة أجري فحصا لنظري منذ فترة طويلة، حتى اعتقدت سلامة نظري بحكم عدم شعوري بأي آلام في عيني، لذا قررت متابعة الفحص لدى أي مستشفى أو عيادة متخصصة في طب العيون، بل سأحرص على أن أمارس التوعية للجميع حرصا على سلامتهم». ابني مصاب لكن إبراهيم أحمد 35 عاما، وجد نفسه أمام حقيقة أخرى مفادها أن ابنه الذي لم يتجاوز عمره خمسة أعوام، مصاب بالمرض نفسه، لكنه أعاب جلوسه الطويل أمام التليفزيون: «العمل الذي قامت به اللجنة الوطنية خير، حيث إن معظم الناس لا يعلمون أنهم أو أطفالهم مصابون بأمراض عيون». إلا أن فهد العيد 30 عاما، اعتاد على فحص النظر مرة كل سنة، ليتأكد من إصابته أو سلامته: «أحمد الله أنني سليم، ومع ذلك أجري الكشف للاطمئنان، وأرى أن بادرة اللجنة التي يرأسها الأمير عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالعزيز، فتحت المجال للكثير من المواطنين، الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المستشفيات الخاصة، لإجراء الكشف المجاني، وأعتقد أن الإمكانيات والجهود الكبيرة التي تقوم بها اللجنة الوطنية لمكافحة العمى، دليل نجاح الحملة». وأوضح بدر العرابي 32 عاما أنه يجري الفحص على النظر للمرة الأولى، لذا فضل الحضور للموقع، بعدما سمع عن فحوص مجانية: «وجدت نظري سليما بفضل من الله». مشاركة مهمة وأوضحت مديرة قسم التوعية الصحية في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون بالرياض الدكتورة رغدة رباح أن مشاركة المستشفى تعد أساسية في أي تفاعل أو فعالية، تخدم الجمهور أو حتى المتخصصين، كونها مرجعا أساسيا في أمراض العيون من ناحية الرعاية الطبية والوقائية والتعليم والأبحاث: « من أهم التزامات المستشفى للجمهور، زرع الجانب الوقائي والإحساس لديهم، وهذا من أهم رسائل المستشفى التي يلتزم بها أمام الجمهور والمجتمع، وهذه الفعاليات وجدنا فيها تفاعلا كبيرا ولدينا الإمكانيات من وسائل وطرق في منح الرسالة للجمهور بشكل مبتكر، وليس تقليديا، وهو أحد الأسباب التي جعلت الناس تتفاعل معنا بشكل كبير جدا، كما أن البرامج التوعوية التي تقدمها المستشفى ليست فقط محصورة على معلومات تعطى، وإنما هناك فحص طبي مجاني، للجمهور لقياس البصر وحدته وضغط العين وقياس النظر سواء للأطفال أو السيدات أو للرجال، وبالتالي نستطيع من خلال الفحص الأولي أن نقول للشخص إذا كان يحتاج إلى رعاية، أو الذهاب إلى مستشفى أو طبيب مختص للعيون، أو إذا كان هناك أي نوع من أعراض لمشكلة معينة طبية في عينه، إضافة إلى المشاركة في تنظيم مسابقات ترفيهية وتثقيفية للجمهور، والحقيقة الهدف من خلفها محاولة تشجيع الجمهور في المشاركة في هذه الفعاليات حرصا منا على زرع نوع من الإحساس الذاتي الرقابي داخل كل فرد». مسؤولية المجتمع وعدت الدكتورة رباح التوعية الصحية ليست مسؤولية فردية، ولا مسؤولية قطاع: «إنما مسؤولية مشتركة، ومسؤولية مجتمع من خلال هذه الفعاليات نستطيع خلق هذا النوع من الإحساس، والإقبال على هذه الفعاليات كبير جدا والجمهور متعطش لأن يرشده أحد للطريق الصحيح، ويستمع إلى معلومات تفيده في الوقاية من أي مرض يصيب العين سواء بالعمى الجزئي أو الكلي، وتم فحص أكثر من 600 شخص خلال ساعة ونصف منذ بداية الفعاليات». وبين المنسق الوطني لمكافحة العمى ورئيس اللجنة المنظمة لفعاليات يوم البصر 2010 الدكتور سعد حجر أن يوم البصر أحد الأيام المعتمدة من منظمة الصحة العالمية ضمن مبادرة الرؤية 20 على 20، حيث يعقد ثاني خميس من شهر أكتوبر، مشيرا إلى أنه لكل يوم بصر عالمي رسالة تجاه المجتمع، وهذه السنة تحت شعار «العد التنازلي لعام 2020»، وهذه الرسالة أتت ونبعت من مبادرة الرؤية 20 على 20، بدأت في عام 2000 وستنتهي في سنة 2020، مشيرا إلى مضي عشرة أعوام حتى الآن، وما زالت هناك عشرة أعوام: «خلال العشرة أعوام الماضية قلت نسبة الإعاقة البصرية بنسبة 13 %، نتيجة البرامج التي وضعت لمكافحة الإعاقة البصرية خلال هذه المدة، وما زال هناك عشرة أعوام أخرى، ما يعني المزيد من العمل، لأن الهدف من هذه المبادرة تقليل نسبة الإعاقة البصرية غير المبررة 80 %». إعاقات مبررة وعد 80 % من الإعاقات البصرية مبررة، يمكن علاجها أو الوقاية منها، و90 % من المعاقين بصريا موجودون في الدول الفقيرة والدول النامية: «خلال عشرة أعوام قلت نسبة المصابين بالعمى من 45 مليونا إلى 39 مليونا، حسب آخر إحصاء لمنظمة الصحة العالمية، والهدف الأساسي من يوم البصر العالمي زيادة وعي الناس بأسباب الإعاقة البصرية وحجمها والوقاية منها، ويهدف إلى زيادة اهتمام المسؤولين عن الخدمات الصحية، بحجم الإعاقة البصرية، ووضع الخطط والبرامج لمكافحتها». نسبة باهتة وحول جهود المملكة في مكافحة العمى، بين أن المملكة ممثلة في الأمير عبد العزيز بن أحمد بن عبدالعزيز، كان لها دور كبير جدا في إقرار مبادرة الرؤية العالمية، وفي وضع مكافحة العمى كأحد برامج منظمة الصحة العالمية عن طريق الوكالة الدولية لمكافحة العمى، الذي اعتمد العام الماضي في عام 2009 وأصبح برنامجا معتمدا من منظمة الصحة العالمية، وعلى جميع الدول المشتركة في منظمة الصحة العالمية وضع الخطط والبرامج لمكافحة العمى في دولها، وكان للمملكة دور كبير، وعلى ضوء ذلك حصلت المملكة ممثلة في وزير الصحة على جائزة الوكالة الدولية في عام 2008 وحصل عبدالعزيز الراجحي شخصيا على جائزة لجهوده الكبيرة في إقرار برنامج مكافحة العمى في منظمة الصحة العالمية: «المشكلة في عدم معرفة نسبة العمى في المملكة تعود لعدم وجود إحصاءات دقيقة، كانت هناك دراسة ميدانية أجريت من فترة بعيدة، ووجدت أن نسبة الإعاقة البصرية 4.5 %، ووجدت نسبة العمى 1.2 %، لكنها دراسة قديمة يجب ألا نعول عليها، والحقيقة أننا حتى الآن لا نعلم عن حجم الإعاقة البصرية بشكل دقيق، ولكننا نتوقع انخفاض النسبة، لأنه لما وجدنا أسباب الإعاقة البصرية في ذلك الوقت كانت المياه البيضاء والتراكوما، هما من أسباب الإعاقات البصرية، لكن التراكوما الآن لا تمثل مشكلة في المملكة، حيث تم القضاء عليها، وظهرت في الفترة الجارية أسباب أخرى للإعاقات البصرية مثل المياه الزرقاء، التي ارتفعت نسبها أكثر من السابق، واللجنة الوطنية لمكافحة العمى بصدد عمل دراستين ميدانيتين للحصول على نسب دقيقة لأسباب الإعاقات البصرية في المجتمع، وما زلنا نعتقد أن المياه البيضاء السبب الرئيسي، حيث تمثل من 45 إلى 50 % من أسباب الإعاقة البصرية، وعلى ضوء الدراسات هذه سيتم عمل خطط وبرامج لمكافحتها بشكل أكبر وأدق». توعية للطلاب وطالب استشاري أول طب وجراحة العيون والشبكية الدكتور عصام الحارثي القائمين على وزارة التربية والتعليم، بتخصيص حصص لتوعية الطلاب بمختلف مراحل التعليم بأمراض العيون وكيفية الوقاية من أسباب العمى: «حالات كثيرة من المرضى تراجع العيادات، ولا تعلم بأن مرض السكري يمكن أن يؤدي إلى العمى إذا أهمل الفحص الدوري للعين، والكشف المبكر للمشكلات والبدء المبكر في علاجها، كما أن هناك حالات كثيرة تتأخر في مراجعة الطبيب جهلا بما يمكن أن يسببه تأخير الفحص والعلاج من الوقوع في العمى». وأوضح الحارثي أن هناك أعراضا نفسية يتأثر بها المعاق بصريا، منها فقد البصر في الطفولة أو في سن البلوغ والتي تعد أشدها على الإنسان المصاب بالعمى، ويمكن أن تقود إلى اكتئاب أو أزمات نفسية وسلبية تجعله ينكر إصابته بالعمى أو أن العمى انتظاره، متوهما بإمكانية استعادته نظره الذي فقده.