يوما بعد يوم تطفح على سطح الأحداث قضايا فردية أبطالها بعض عناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومرة بعد مرة يدين البعض في المجتمع، تصرفات بعض رجال الهيئة، لترتفع وتيرة الانتقاد، لتأخذ طابع الرأي العام. لكن في الجانب الآخر لا تزال الهيئة تتعامل مع قضايا الحسبة المتعلقة بالتناول الإعلامي، بطابع «الستر»، الذي يضاهي تأكيداتها، وما يلمس الكثيرون تطبيقه في التعامل مع المتورطين في القضايا الأخلاقية. وإذا كانت المرأة تعد المحور الأول وليس الأخير في القضايا التي تأتي في صلب أولويات الهيئة، فإن العلاقة الغامضة حسب وصف البعض، تستوجب التوقف للتعرف على معنى الضبابية لديهم، ولغة الشفافية في قاموسهم. إلا أن العلاقة التي ربما يشوبها الكثير من الغموض، تحتاج بين الفينة والأخرى لتجد ضوءا يرشدها للظهور، فلماذا المرأة في قاموس البعض تعني نقطة سوداء على جبين الهيئة، ولماذا المرأة من وجهة نظر البعض القشة التي ينال منها البعض للولوج إلى سوءات الهيئة؟ ومع كثرة القيل والقال في هذا الأمر، تبرز تلميحات من آن لآخر تتعلق بالعلاقة التي لا تحتاج إلى تزييف في أن: «الهيئة ترى أن المرأة قلعة يجب الحفاظ عليها، لا انتهاكها، وأن المرأة درة ثمينة يجب الاهتمام بها، لا تقييدها، وأن المرأة التاج على رأس أي مجتمع، الذي يجب الاحتفاظ به من التطاولات، لا أن يتطاول عليه». كرسي الحسبة ففي 6 إبريل الماضي أعلنت الهيئة عن تبنيها كرسي علمي، يحسم اللغط الذي ينتاب البعض من قصور الفهم في علاقة الهيئة بالمرأة من ناحية، ويطور العلاقة التي ربما يشوبها بعض التوقفات من ناحية أخرى. وبرزت في مقدمة الأهداف التي حددتها الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لاختيار المرأة للكرسي العلمي الذي تم توقيعه بالشراكة مع جامعة حائل، والشراكة القائمة مع وزارة التعليم العالي وجامعات المملكة ومؤسسات المجتمع، أنه يأتي لإبراز المكانة الرائدة التي حظيت بها المرأة في أنظمة المملكة، إثراء المعرفة والمشاركة في إنتاج البحوث العلمية في مجال المرأة وقضايا الحسبة، تطوير أداء القائمين على العمل الميداني للتعامل الأمثل مع قضايا الحسبة المتعلقة بالمرأة وتعزيز أخلاقيات المهنة لديهم، المحافظة على القيم والسلوكيات الإيجابية الموجودة لدى المرأة في المجتمع السعودي. موارد الدعم العلمي ويعد كرسي الحسبة وحفظ الأخلاق، أحد موارد الدعم العلمي والمادي للباحثين والباحثات لتحقيق أهدافه بما يسهم في تعزيز أمن المجتمع العقدي والفكري والسلوكي خصوصا أن: «الكرسي برنامج علمي يعنى بالدراسات والبحوث العلمية المتخصصة في مجال قضايا الحسبة المتعلقة بالمرأة ويقدم الدعم العلمي والمادي للباحثين والباحثات لتحقيق أهدافه، بما يسهم في تعزيز أمن المجتمع العقدي والفكري والسلوكي». صانعة الأجيال المتخصص في القضايا التربوية جامعة الملك سعود الدكتور عثمان البريكان أوضح أن المرأة صانعة الأجيال ومن باب أولى أن تتولى جميع الجهات الاهتمام بها، مشيرا إلى أن الهيئة تعالج المشكلات المجتمعية قبل أن تظهر وتحفظ حقوقه الخاصة بالمرأة والرجل، لأن التشخيص هو علاج ووقاية، وبالتالي فإن العلاج والوقاية أهم من قضية التشخيص. وطالب البريكان بأن تكون هناك جهة تتابع عمل وقاية المجتمع حتى لا تتكرر عمليات الوقوع في الأخطاء الفردية، وهو المؤمل في تحقيقه عبر هيئة الأمر بالمعروف: «هذا بحد ذاته يرد على جميع الشبهات التي تشكك بالهيئة وغيرها من الجهات التي تعمل لصالح المرأة والمجتمع السعودي الزاعمة بأن الهيئة ليس لها علاقة بالمرأة، ويجب ألا يكون الحديث من جراء العاطفة فقط تجاه المرأة، وعلينا توفير الدراسات التي تفيد العمل القائم، والمتمثلة في احترام وحفظ حقوق المرأة من قِبل الهيئة، ولعل ما تقوم به الآن من توقيع كراسي بحثية وإعداد دراسات مستفيضة حول المرأة ليست وحدها التي تحقق حقوق المرأة، لأن الحديث الذي يجب أن نتداوله هو هل حقوق المرأة حصلت عليها أم لا؟». تعاون وتضافر وبين البريكان أن بحوث ودراسات هيئة الأمر هي التي تثبت تلك الحقوق: «وبالتالي فإن الهيئة ليست مركز اهتمامها فقط الكراسي البحثية، لكن هي آليات للتعريف باهتمام الهيئة بقضية المرأة عن طريق هذه الكراسي، وعلى الجهات الأخرى أن تتفهم دور الهيئة، وهل هذا الدور هامشي أم أساسي؟ فإذا اقتنعت بأن دورها أساسي من خلال وجود الدراسات والأبحاث والكراسي العلمية للاهتمام بالمرأة بشكل خاص والأسرة بشكل عام وجب على هذه الجهات التعاون والتكامل مع الهيئة، ومد يد العون من خلال الترابط بين الأعمال، وبلا شك فإن ذلك يعود بالنفع للمرأة وللمجتمع ونظام الحكم من خلال تولي جهات معينة متمثلة بالهيئة وغيرها بمعالجة هذه المشكلات وإيجاد حلول لها». أجواء إيجابية وعد أستاذ علم الاجتماع جامعة الإمام الدكتور عبدالعزيز الغريب، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعيش أجواء إيجابية في هذه الفترة، في ظل التعليمات الجديدة والطاقم الجديد: «فالهيئة كما منصوص في نظامها مؤسسة من مؤسسات الدولة تؤدي مهام ورسالة وتقوم بشعيرة يعتز المجتمع بها، ونفخر في المجتمع السعودي ونمتاز بوجود منظمات ومؤسسات تعمل بها، وما أثير في الإعلام في الفترات السابقة، وطالت تصرفات بعض الأفراد في الهيئة، ما هي إلا آراء لا يمكن الجزم بحقيقتها وبصدقيتها، وفي تصوري أن الهيئة مؤسسة ضمن منظمات التنشئة الاجتماعية، وليست مؤسسة قبض وتوجيه وإرشاد فقط، هي مؤسسة ضمن منظمات الدولة التي تقوم بمهام التنشئة الاجتماعية أو ما يعرف بعلم الاجتماع الآن باسم «مؤسسات إعادة الإنتاج الاجتماعي»، مثلها مثل الأسرة والإعلام والمدرسة وجماعات الأصدقاء ومؤسسات وقت الفراغ». علاقة عادية وشدد على أنه: «ليس هناك ما يثير الانتباه بخصوص رجال الهيئات الميدانيين لدى تعاملهم مع النساء، وليس هناك إهانة أو تقليل أو تجنٍ على حقوق النساء، بل على العكس ما نشاهده أن المرأة عندما تدخل السوق، وهي تشاهد منسوبي الهيئة موجودين سواء في المداخل أو داخل السوق، فإن المشهد يبعث على الاطمئنان، ويثير الرضا والثقة، كذلك الأمر لدى أرباب الأسر عندما يشاهدون رجال الهيئة بعيدا عن تصرفات فرد من هنا وفرد من هناك، فإنه يطمئن أكثر، لأن هناك أسرا تتحرج من الذهاب لبعض المجمعات، عندما يشاع بأنها ليست من ضمن المجمعات التي تغطيها خدمات الهيئة». منظمة لخدمة الجميع ودعا الغريب الجميع إلى حسم موقفهم من الهيئة على أساس أنها منظمة تخدم الجميع: « وقد يخطئ رجل الهيئة مثلما يخطئ موظف الاتصالات مع المرأة، والفعل نفسه مع موظف المستشفى، لكن بالمجمل لا تمثل انتهاكا أو تقليلا للمرأة ذاتها أو مثلما نقول في علم الاجتماع، أن تعبر عن صور من صور العنف الذي يوجه للمرأة، واطلعت على العديد من الدراسات وجدتها تدلل على وجود رضا وقبول اجتماعي للهيئة، وحول فهم المواطنين لعمل الهيئة فإن معظم المواطنين والمقيمين يعتقدون أن الهيئة مؤسسة شرعية، وأنا أحدهم الذي يراها مؤسسة إنتاج وتطبيع وتنشئة اجتماعية». إثراء العمل وأشار إلى أن دخول الهيئة الجانب العلمي والبحثي دلالة على استشعار بأهمية التطوير وإعادة تنظيم الأعمال: «وهذا كله يسهم بالتأكيد في إثراء عمل الهيئة، وربما تلجأ الهيئة إلى تشغيل نساء مثلا، وقد تبدأ الهيئة بتنظيم علاقتها بالمستفيدين من خدماتها سواء نساء أو أطفال، ويحمد للهيئة الآن توسعها في الكراسي من خلال توقيعها كراسي بحثية مع جميع الجامعات، وهذه دلالة على نزعة التطوير والتخطيط الذي سيصب في صالح المستفيد الأول من هذا العمل وهي المرأة، بحكم وجود الهيئة في كل الأسواق والمراكز التجارية، ونتمنى أن تقرر هذه الكراسي دراسات علمية تستفيد منها الهيئة في تطوير عملها، وتستفيد منها المرأة باعتبارها المستفيد الأول من خدمات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» .