أكثر من 91 ألف وثيقة سرية حول الحرب في أفغانستان ودور القوات الأمريكية، وقوات حلف شمال الأطلنطي نشرها أخيرا موقع ويكيلكس الشهير أحدثت ضجيجا إعلاميا مدويا، ويعود ذلك إلى الاختراق المثير للأمن وإفشاء الأسرار، وبتحديد الأسماء «حيث تضمنت هذه الوثائق ما يقرب من 15 ألف اسم على الأقل من الأفغانيين والباكستانيين»، رغم أن الموقف الفعلي على الأرض أسوأ مما تصفه المستندات السرية، وهى الحقيقة التي أعلنها صراحة «دافيد كيلوكلن» خبير مكافحة التمرد والمقرب من الجنرال «دافيد بترويوس» قائد القوات الأمريكية، في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ عقب نشر الوثائق. وصرح كيلوكلن: «بأننا نحتاج إلى قتل كثير من طالبان»، وهي عبارة فجة لم يتورع عن ذكرها دون مواربة، مشيرا إلى أن الحكومة الأفغانية بزعامة كرزاي غير مستقرة بما يكفي لنجاح عمليات مكافحة عمليات طالبان العسكرية، الأمر الذي يعد اعترافا مهما من عضو بارز في معسكر «بترويوس» وربما يكون أيضا مؤشرا على حدوث تغيير في الأساليب الأمريكية، وإن أرجع «كيلوكلن» هذا الفشل الأمريكي إلى ما زعمه دعما خفيا للمخابرات الباكستانية لطالبان، وأوصى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بدراسة التقرير الذي أعده «مات والدمان» الباحث في مركز «كار» لسياسات حقوق الإنسان بجامعة «هارفارد» يحمل عنوان «الشمس في كبد السماء»، ونشرته مجلة «تايم» الأمريكية. حيث أجرى الباحث من شهر يناير إلى شهر مايو الماضي مقابلات منفصلة مع تسعة من القادة الميدانيين النشطاء لطالبان في أفغانستان، ومع عشرة مسؤولين سابقين في حركة طالبان، وزعم «والدمان» إجماع هؤلاء القادة على أن المخابرات الباكستانية «I S I» تتحكم في سير الأمور، وتعارض إجراء أي مفاوضات بين طالبان وحكومة حامد كرزاي، واستشهد العديد منهم برهانا على ذلك بقيام عملاء باكستانيين في شهر فبراير الماضي باعتقال الرجل الثاني في حركة طالبان هو الملا «عبدالغني برادار» الذي كان منخرطا في إجراء محادثات سلام غير رسمية مع الحكومة الأفغانية. ولكن لماذا تدعم عناصر من العسكريين الباكستانيين طالبان؟. السبب في هذا باختصار هي الهند، فالهند تعد، أولا وأخيرا، الهاجس الاستراتيجي للعسكريين الباكستانيين، فأمريكا جاءت في الماضي إلى المنطقة ثم ذهبت، وحتما كما انسحبت جزئيا من العراق، ستنسحب لاحقا من أفغانستان، أما الخطر المقبل من الهند فهو قائم دائما، ومع هزيمة طالبان على أيدي القوات الأمريكية في عام 2001، كان هناك تخوف من أن الحكومة الجديدة في كابول ستتعاطف مع الهند، وتوفر قاعدة استراتيجية لعمليات استخباراتية معادية لباكستان. فالقلق الباكستاني من احتمالات الحضور الهندي الفاعل في أفغانستان هو الأهم، وفي ضوء ذلك ضغطت باكستان على حكومة كرزاي لإقالة مدير استخباراته «أمر الله صالح» الذي تعتبره باكستان عميلا هنديا، في مقابل معلومات استخباراتية عن طالبان، وهذا التحول النسبي في معادلة «باكستان طالبان الأفغانية» مرجعها سلسلة من الهجمات الإرهابية المثيرة، شنتها طالبان الباكستانية المحلية ضد الجيش الباكستاني. ولكن التساؤل الذي ينتصب في مواجهة هذا الواقع الإقليمي والدولي المعقد في أفغانستان، هو: هل تكون الخطوة التالية للانسحاب من العراق، هي الانسحاب من أفغانستان، خاصة مع افتضاح جرائم الحرب العمدية التي ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان ضد المدنيين وكشف عنها «ويكيلكس» وكان ذلك ما أكده الصحفي «جوني رُوَبنسون» لصحيفة «واشنطن بوست» حيث استشهد صراحة بأعمال الكوماندوز التي ارتكبتها قوات «الناسك 373». وهي كتيبة موت تطارد أفرادا معينين موضوعين على قوائم الاغتيال وأحيانا مع أسرهم، فضلا عن الفساد والابتزاز والقسوة المفرطة والعنف تجاه المدنيين الأفغان على يد ميليشيات عسكرية أفغانية تمولها وتدربها وتدعمها القوات الأمريكية، وهناك العديد من الأدلة على إدارة حرب وحشية، لم يكن لها أي نصيب من النجاح، وما كانت الحكومة الأمريكية مصممة على إخفائه من الفشل والإخفاق والفضائح خلال عهد إدارتين. ولا يُنْكِر أحد التشابه بين عملية اختراق موقع ويكيلكس وواقعة «أوراق البنتاجون» وهي الوثائق التي كشفت في عام 1971 عن حقيقة حرب فيتنام.. وعندما تم نشر هذه الوثائق كان لها تأثير على الرأي العام الأمريكي، حيث اقتنع الأمريكيون أن هذه الحرب الخاسرة قد كبدتهم ثمنا باهظا علاوة على كونها حربا «قذرة»... فهل يعيد التاريخ نفسه، وتنسحب أمريكا من أفغانستان، كما انسحبت من فيتنام تحت ضربات السلاح الإعلامي؟ .