تعد سفر الإفطار في ساحات الحرم المدني أحد مظاهر الحب والأخوة التي تنعم بها مدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دون غيرها، حيث تحظى الساحات الداخلية والخارجية كلها بالسفر الرمضانية التي تستقطب بين جنباتها جميع طبقات الناس، كما يتنافس الكثير من العوائل المشهورة في المدينةالمنورة في تفطير الصائمين رغبة منها في الحصول على الأجر وحبا منهم في ضيافة زوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أصبح الإفطار داخل الحرم المدني أكثر جذبا للصائمين؛ ما جعل «بوفيهات» فنادق الخمس نجوم تقف عاجزة أمام الشُّريك والفتوت واللبن والدقة والحيْسة التي تملأ سفرة الإفطار داخل المسجد النبوي الشريف، أما في الساحات الخارجية للمسجد النبوي فالوضع يختلف كليا من حيث الموائد الرمضانية؛ فالمائدة الواحدة تمتد أمتارا وكل يسابق الزمن من أجل تجهيز المائدة قبل حلول موعد الإفطار. وتبدأ عملية تجهيز سفر الإفطار من بعد صلاة العصر حتى قبيل أذان المغرب، حيث يتم تجهيز الموائد بمختلف الأطعمة والمأكولات من اللحم والرز والسمبوسة والعصيرات المختلفة إلى الفول والشريك والقهوة والتمر، وتعدّ بمنزلة أطول الموائد عالميا من حيث طول المائدة وتنوع الأطعمة. وأكد عبدالرحمن عرام، أحد القائمين على سفر الإفطار، خلال حديث ل«شمس» أن التنافس في حجز أماكن سفر الإفطار يبدأ من أول ليلة من ليالي رمضان بعد صلاة المغرب، حيث يعتمد المكان إلى نهاية شهر رمضان، وقال عرام: «هناك بعض العوائل لا يستطيع أحد أن يسطو على أماكنها فهي معروفة سلفا، ولو تجرأ أحدهم على المكان فإنه سرعان ما يواجه من قبل تلك العائلة»، موضحا: «هذه العائلات لها عشرات الأعوام وهي تفطر الصائمين في هذا الموقع، ومن الصعب أن تتنازل عنه بهذه السهولة». وتتوارث بعض العائلات والأسر العريقة في المدينة إقامة الموائد الرمضانية، حيث يشرف على شؤونها الكبار ويقوم بالخدمة عليها الشباب، بينما تعود تبعية عدد من الموائد لجهات خيرية، مثل «جمعية البر» و«جمعية تحفيظ القرآن»، وبعضها يكون وقفيا على شرط الواقف. من جهته، أوضح محمد سعيد بن جحلان أن بعض سفر الإفطار داخل الحرم النبوي يرجع تاريخها إلى أكثر من 50 عاما، وقال: «بدأت هذه السفر فعالياتها من زمن أجدادنا وآبائنا، فقد كان كل واحد منهم يأتي ومعه أبناؤه وإخوانه وأقاربه ليجتمعوا على السفرة ويحرصون على الإفطار داخل المسجد النبوي، فتحولت هذه عادة مستقرة وأصبح الكل يتنافس على أن يشاركه الآخرون في الإفطار لنيل الأجر». وقال ابن جحلان ل«شمس»: «تمتد سفرتنا إلى أكثر من 15 عاما وهي بعمر ولدي، ونحرص بشدة ألا نفوت على أنفسنا فرصة الأجر»، موضحا «إننا نخدم الزائرين ونفرح بقدومهم إلينا في شهر رمضان وهذا ما يسعدنا». ويضيف أسامة علي صيرفي، الذي يقوم بخدمة مائدة إفطار داخل محيط الروضة الشريفة في المسجد النبوي،: «السفر الرمضانية تعد تقليدا متوارثا عبر عقود وأجيال بين الأسر التي تعاقبت في خدمتها إلى أن ظهرت الجمعيات الخيرية التي انضمت إلى هذا الميدان وتهدف جميعها إلى إحياء السنة النبوية». وقال: «في الآونة الأخيرة تخلت الكثير من الأسر عن القيام بالعمل في إفطار الصائمين فاتخذت من الصبيان بديلا يقوم على تفطير الصائمين وتجهيز السفر لهم، وتبقى مهمتهم بعد ذلك في الإشراف على المائدة والدعم المادي للقائمين عليها فقط». وحفاظا على نظافة المكان وتهيئته للمصلين الذين يؤدون صلاة العشاء والتراويح يبدأ نحو ألف عامل وعدد من المراقبين التابعين لرئاسة شؤون الحرم المدني عقب انتهاء شعائر صلاة المغرب بتنفيذ برنامج سريع لتنظيف الساحات الخارجية، وهي مهمة تنتهي خلال ساعة واحدة، ويتم خلالها رفع المخلفات والغسيل والتجفيف وأخيرا تغطية كامل المساحة بسجاد الصلاة .