ولم يكن الاستغفال ابتكارا جديدا أيها السادة، ألم يحاول إخوة يوسف استغفال والدهم حين «وجاؤوا أباهم عشاء يبكون»، ثم سردوا له باقي حكاية الذئب الخيالية، وعندما فطنوا أن سيناريو الحكاية الأكذوبة كان ركيكا ضعيفا هشا، بحيث لم ينطل على والدهم، عاجلوه ب«وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين» ف«جاؤوا على قميصه بدم كذب»! وحيث إن «لا جريمة كاملة» فقد نسي إخوة يوسف أنه لا يوجد من بين ذئاب العالم كله ذئب على قدر من الأدب بالشكل الذي يجعله يستأذن في خلع قميص ضحيته قبل التهامها! فقد جاؤوا أباهم بقميص قاني اللون، إلا أنه سليم من الشقوق! فما كان من يعقوب عليه السلام وتحت تلك الظروف إلا أن سلم أمره و«قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون». ذلك أيها السادة قديما، أما اليوم ومع تقدم العلم والصناعة والتكنولوجيا والاستغفال، فإن هذا الأخير يجد رواجا كبيرا وبيئة خصبة في سائر المجالات. وإلا فبالله عليكم في أي خانة تصنفون أن تذهب لمكتب العمل للبحث عن وظيفة لتجد أنك موظف بأقدمية خمسة أعوام كاملة لدى إحدى الشركات التي لم تسمع بها من قبل والتي سطت على اسمك وكامل معلوماتك دون علمك و«استغفلتك» حتى تتحايل على السعودة!. وكيف تقرؤون أن يملأ أحد المسؤولين وسائل الإعلام ضجيجا وصورا وتقارير بعد زيارته «التنكرية» لمرفق حكومي، تلك الزيارة التي لم يصاحبه فيها أحد باستثناء مساعديه ونائبيه ومدير مكتبه و13 إعلاميا و20 كاميرا عالية الدقة! ألا ترون أن هذا المسؤول طبق كل المعايير اللازمة لكلمة استغفال؟ وتخطئون أيها السادة أن كنتم تظنون أن الاستغفال يقف عند هذا الحد. فما زال للاستغفال بقية!