قد يلتفت مسافر على متن طائرة عن يمينه يوما ليرى أحدهم وقد تشبث بكلتا يديه على جناحها وعض بما تيسر من أسنانه على شنطته التي ترفرف خلفه، ورغم كمية الهواء التي تصفع وجهه يلوح لك بيده ولسان حاله يقول: «مرحبا.. تسمعني؟ هالمقعد اللي بجنبك كان المفترض لي، بس ما عليه لقيت مكان على الأقل.. على جناح الطيارة». تهرب بنظرك للأمام وأنت تستعيذ بالله من شر الأرواح الطائرة، وتعيب على تلك الكبسة الثقيلة التي خلقت برأسك عشرات كوابيس الصحو التي لا تزال تطاردك منذ البارحة. تنادي المضيف الذي يبدو أنه لا يحبك أو أن أحدهم أيقظه من النوم عنوة، فتهمس له: «لو سمحت.. عفوا يعني.. بس أنا قاعد أشوف كائنات من ورا الدريشة». يبادرك قائلا: «طيب وبعدين!». تتنحنح.. ثم تردف: «لا، بس.. لا يطيح!». ترتسم على فمه نصف ابتسامة: «هالأخ ما لقينا له كرسي مع أن البوردنج بيده اليسرى.. شوفه!». تلتفت لزميلك المواطن الطائر وهو يؤشر ب..البوردنج، تتمتم: «سبحان الله.. فعلا أشياء جميلة تحدث لديكم يارجل!». فمن التفرد أن ترى مسافرا نخل وشخل كل الواسطات التي يعرفها لكي يسافر، وأخيرا صعد للطائرة دون تأكيد حجزه حتى!. يحق لكم يا صديقي المضيف أن تعتزوا كثيرا بخدمتنا، حتى على جناح الطائرة، أو حين يصرخ أحدهم من بعيد: «تأجلت الرحلة يا جماعة الخير»، دون أن يسعفك على الأقل بقوله: «عذرا». أو عندما تضطر مكرها أن تحجز على درجة «رجال الأعمال» وهي الدرجة التي لا يفصلك عمن يجلس خلفك إلا ستارة من دون «شيفون» حتى، ولا يميزك عنه- رغم أنك دفعت ضعف تذكرته- إلا فنجان قهوة مللت من بلعها على سطح الأرض! لذا يا رفيقي الذي يرتدي بدلة أنيقة عليك أن تعلم الآتي: أنا المواطن الذي لا يعتمد كثيرا عليكم هذه الأيام.. والذي يفكر جديا أن يستثمر نصف ريالاته الطائرة، ويضع نصفها المتبقي في جيب «كداد» يعينه على وعثاء سفركم وكآبة خدمتكم.. شكرا لاستماعك!.