عندما تختار أن تكون جبانا فأنت تتصرف غريزيا إن كان كل ما حولك لا يقبل صورتك الأصلية، دون رتوش الألوان والأقنعة، فالتفكير هنا بصوت عال تهور، أمام عقول تقدس الشعارات والمظاهر الخارجية، ومن الحماقة أن تقرر الخروج بلون صارخ، في منطقة تموج بالألوان الباهتة. والحال يذكر بادعاء المثقف وغيره أنه يتقبل الآخر كما هو، في حين يستخدم ميزان تجاربه ورؤيته ليحكم عليه، فالتقبل الحق، أن تترك الباب مواربا وللقادم حرية الدخول على أي هيئة كانت، إلا أن مستوى الصدمة والانطباع الأول، قد ينسف ذاك الادعاء، فالتقبل سلوك نبيل، باطنه الرحمة وتفهم ضعف الإنسان وظاهره الاحترام. وفي أغلب التعاملات الاجتماعية والإنسانية «أول ما يثير الخوف لدى جميع الأشخاص هو الرفض» بحسب الدكتور فيليب ماكجرو، فلك أن تتخيل حجم المأزق الذي يعيشه البشر إذا كان عليهم جميعا أن يكونوا ذات الشخص بأفكاره، وسلوكياته، وأعتقد من هنا ينزلق الإنسان في العبودية الفكرية، ويمنح عقله إجازة مفتوحة، ليقول ما يرضي الآخرين، ويفعل ما أجمع عليه الآخرون، فلا يؤلم أحدا سوى عقله ورغباته وحاجاته،لأن التفكير استدراج للتمحيص، حيث منطقة الخوف من الرفض وحاجة القبول. لذا فإن مهمة الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، الأصعب والأخطر على مر التاريخ، رغم دعمها بأعظم قوة، فهي تحد صريح للعقول المرتخية. ويذكرني ذلك بقول أحد الحكماء عندما أشار إلى عقاب المنافقين في النار كيف يكون في الدرك الأسفل رغم إظهارهم للإيمان، فالأديان لا تطيق الكاذبين، ولو منحوا للرسالة الدعم والتأييد! وعندما يمارس المجتمع دور تكميم الأفواه بشكل ما، فإنه يعد التاريخ بجمع غفير من المنافقين قسرا، وحتى على مستوى الأسرة الواحدة، إما أنك رب أسرة استطاع أن يبني جسور الثقة ليعبر الجميع عن أفكارهم وخلجات قلوبهم مع ضمان التقبل والحوار، أو تصبح جلادا اختار أن يحيط نفسه بالخديعة! خارج النص: الحنين كصوت الضمير.. قد يرتخي حد الهمس.. لكن لا يكف عن الثرثرة.