لغتنا العربية الخالدة -هويتنا الأولى والأخيرة- تحتفل بيومها العالمي ، والذي صادف يوم أمس الثلاثاء ، وفي ظل عالم متغير يتسع كل يوم ويتناهى بمتغيراته وتحولاته ، وكلما اتسع هذا العالم ازداد اقترابا وتأثيرا ؛ بفضل الانفجار الاتصالي والمعلوماتي والمعرفي ، وبفضل حضور سلطة التقنية التي هيمنت وصارت أكثر تأثيرا في كل أرجاء المعمورة ، فمن الطبيعي جدا في ظل هذه التحولات وحضور ثقافات ولغات من قوى عالمية لها حضورها ولها أبعادها الاقتصادية والثقافية أن تصبح لغتنا العربية في مواجهة بعض التحديات مثل أي لغة أخرى ، ولكن ربما يكون التحدي الذي تواجهه من نوع خاص ، وحين تحدد منظمة اليونسكو يوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام يوما عالميا للغة العربية ، فإن ذلك يجعلنا نعيد قراءة التحديات وأبعادها وكيفية مواجهتها ، ويجعلنا أيضا في حوار مباشر مع اللغة بوصفها هوية ثقافية ودينية وتاريخية وفي الاحتفال بها ، ولكنه يطرح أمامنا العديد من الأسئلة : أين نقف نحن من هذه اللغة / الهوية في هذه المرحلة؟ وأين تقف لغتنا العربية بجانب اللغات الأخرى؟ والهويات الأخرى؟ ما الذي يجب فعله تجاه اللغة بوصفها هوية؟ يقول الدكتور ناصر الدين الأسد (إن التحديات التي تواجه اللغة العربية متعددة ، في طليعتها أن اللغة العربية تسير على قدم واحدة ، فهي عرجاء ، وذلك لأنها منطلقة في المجالات الأدبية النظرية ، ولا تكاد تتحرك في المجال العلمي ، والسبب الأساسي في ذلك أن جميع العلماء التطبيقيين الحرفيين من أطباء ومهندسين وصيادلة وسواهم لا يدرسون باللغة العربية). ويضيف الدكتور الأسد بقوله : (وقد كان الطب والهندسة والصيدلة وسائر العلوم في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية باللغة العربية ، واستمر ذلك حتى احتلال الإنجليز لمصر ، فحولوا التعليم جميعه إلى اللغة الإنجليزية ، في أواخر القرن التاسع عشر ، وقد استمرأنا نحن ما أراد الإنجليز منا حتى اليوم ، هذا هو السبب الأول ، أما السبب الثاني فيرى أنه يقع على المعلمين وأساتذة الجامعات أن المعلمين في المدارس والأساتذة في الجامعات يلقون دروسهم باللهجات العامية ، وبذلك لا يستطيع التلميذ ولا المواطن أن يسمع اللغة العربية السليمة ، لا في المدرسة ولا في الجامعة ولا في البيت ولا في الشارع ولا في وسائل الإعلام ، إلا على قلة نادرة). إن هذا الرأي ، وخصوصا الذي يتعلق بالمعلم وأستاذ الجامعة يطالب المدرسة ويطالب الجامعة بضرورة مراجعة طرائق تدريس اللغة العربية في ظل حضور العامية في التعليم العالي والتعليم العام. أخيرا ، ماذا لو تبنت المؤسسات الثقافية العربية إطلاق مشروع ثقافي عالمي يقدم لغتنا الحية الثرية للآخر ، ويرتكز على استراتيجية حيوية بجائزة عريضة وفعاليات مهمة لتساهم مع مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية ، لتحقق لهذه اللغة مكانتها وتقلل من أهمية التحديات التي تواجهها.