الموضوع: كلمة بمناسبة اليوم الوطني الثاني والثمانين الحمد لله تمضي الليالي والأيام ، وبلادنا تنشد العلياء في سباق محموم مع الزمن لتحقيق معجزة التنمية الشاملة ، بعد أن تحقق أهم منجز في العصر الحديث بتوحيد هذه البلاد تحت راية واحدة (راية التوحيد الخالدة : لا اله إلا الله محمد رسول الله) على يد أبنها البار صقر الجزيرة الملك : عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (طيب الله ثراه وجزاه خير الجزاء). فمنذ اليوم الذي أعلن فيه عن اسم الدولة الجديدة [المملكة العربية السعودية] انطلقت عجلة البناء والاعمار في قصة تنموية قد لا تتسع لذكرها المجلدات الكثيرة ، ولا الموسوعات الكبيرة. فقد كان لتلك الانطلاقة الكبرى المرتبطة بدين الله العظيم ارتباطا وثيقا الأثر الكبير في حياة المجتمع السعودي إذ أن هذا الدين يحث اتباعه على الاستفادة من جميع معطيات الحياة التي ذللها الله سبحانه وتعالى ، للإنسان لبناء حضارته ولإسعاد نفسه في حياته الدنيوية والأخروية ، ومن هذا المنطلق -ايضا- كانت العلاقة بين الحاكم ورعيته ، التي تقوم على مبدأ العدل والشورى ، وتطورت هذه العلاقة مع الزمن حتى اصبحت اليوم قائمة على المشاركة في الرأي وفي القرار لتتكامل المسئولية والمشاركة الفعلية في تسيير دفة الحكم والبناء. وقد تميزت هذه الدولة منذ اعلان انشائها بجعل الانسان هو أساس الاستثمار وهو محور التنمية والبناء الحضاري ، فبه بدأ تأسيس أجهزت الدولة ومؤسساتها ، مع الاخذ بالجديد في تطوير العمل والتنمية في أوجهها المختلفة ، وبدأ التغيير يطال كافة اوجه حياة الإنسان فمن حال إلى حال أحسن ، فأمن المواطن على نفسه وعرضه وماله ، بفضل الله ثم بفضل تطبيق شرعه الحكيم ، وكما هو معلوم فإن الامن هو أساس التنمية والحضارة ، إلى جانب هذا انتشرت مؤسسات التعليم في جميع النواحي الحضرية والبدوية ، وفتحت الجامعات والكليات بأنواعها ، وأبتعث الشباب من الجنسين إلى الخارج للتزود بأحدث العلوم والمعارف للإسهام في قيادة دفة الحياة في البلاد ، وتغيرت كثير من المفاهيم ، وارتفعت وتيرة الوعي الفردي والاجتماعي وانتشرت الثقافة العالية بين المواطنين ، وتبعا لذلك تحسنت الحالة الصحية إلى حد كبير ، وحدثت الزيادة السكانية في البلاد إلى درجة أصبحت المملكة من أكبر الدول ارتفاعا في نسبة المواليد ، وكذلك تحسنت بيئة السكن والمعاش وأصبح المواطن يعيش الرفاهية في ملبسه ومأكله ومشربه ومركبه. فما سبق هو سياق عام لمظاهر التنمية والتحضر في دولة تأسست حديثا حظيت بقيادة واعية ، كانت ولا زالت تشكل جزء من مجتمعها ، تستشعر مسئوليتها عن البلاد والعباد ، وتولي مواطنيها أقصى اهتماماتها ، وجعلت الانسان السعودي أساس استثمارها ، وبناءها الحضاري والتنموي. وكان لا بد لهذه المقدمة للحديث عن بلادنا الغالية في سياق تناول سيرتها الذاتية ، ليعلم أبنائنا أن بلادهم بدأت مسيرتها ولا زالت وفق الاهداف السامية المقررة في أساس دينها الاسلامي الحنيف ، الذي اعطى الانسان حقه الكامل في حياة كريمة وسخر الخالق له ما في السموات والأرض لإقامة الخلافة في الارض. وتاريخ المملكة صفحة مفتوحة لرواد الحقيقة ، فما أن قام الملك المؤسس : عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل -رحمه الله وطيب ثراه- بتجميع هذا الكيان في دولة واحدة ، حتى عقد العزم على الشروع في وضع لبنات البناء التطوير على أسس راسخة من ديننا الحنيف ، وفي رؤية ثاقبة للمستقبل ، وعزم على الاستفادة القصوى من معطيات العصر الحديث. فشهدت الدولة منذ ذلك اليوم قفزات تنموية وعمرانية كبيرة ، في شتى المجالات ، مع التزام الدولة بانتهاج سياسة ثابتة داخليا بتطبيق احكام الشريعة الاسلامية في جميع مناحي الحياة ، والعمل خارجيا بما يمليه عليها موقعها الروحي والجغرافي والاقليمي والدولي. ومنّ الله -سبحانه وتعالى- على المملكة بكنوز باطنية بدأت تتدفق ويتدفق معها الخير من كل حدب وصوب ، فأصبحت من أهم الدول المصدرة للبترول ، وحققت دخول مالية ضخمة ، جعلها تتبوء مركزا اقتصاديا عالميا مرموقا ، مكنها ذلك من تنفيذ خطط تنموية طموحة ، حققت من خلالها على إنجازات هامة على الصعيد الاجتماعي والتعليمي والصحي والخدماتي. والمتتبع لمسار التنمية في الدولة يلاحظ أن وتيرة مسيرتها كانت متصاعدة من سنة لأخرى ، و بكل خطة تنموية عن سابقاتها. وما توفي الملك : عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (رحمه الله) إلا وقد اكتملت مرحلة التأسيس للدولة على أساس وقوة ، إذ أنشئت المؤسسات الحكومية الاساسية والخدمية ، فأول وزارة تنشأ في المملكة وزارة الخارجية السعودية ، والتي كانت تسمى مديرية الشؤون الخارجية ، وأول وزير للخارجية بها هو : الملك فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله). ووزارة الدفاع في المملكة وكانت تسمى بوكالة الدفاع قبل ذلك ، ووزارة الداخلية ، وتم تأسيس وزارة المالية ، وتأسيس أول مجلس للشورى بالمملكة تم تشكيله من أعضاء متفرغين ، وتأسيس وزارة المواصلات ، وظهور أول نظام للمحكمة التجارية ، وأول نظام للمصارف ، وأول نظام لإدارة الحج في المملكة وظهور أول نظام للطرق والمباني، وكذلك أول نظام للغرفة الصناعية والتجارية وأول نظام للتليفونات في المملكة ، وتأسيس أول نظام لتوحيد الطوابع ، وتأسيس أول نظام للبرق ، وتأسيس أول نظام لجمعية الإسعاف الخيرية ، وتأسيس أول نظام للمستشفيات ، تأسيس أول مديرية الشرطة في مكةالمكرمة. وتم بتوفيق الله تصدير أول شحنة بترول من المملكة إلى العالم في عام 1358ه . وذلك بميناء رأس تنورة في حفل بهيج دشنه الملك عبد العزيز. وأنشئت الاذاعة السعودية بموجب المرسوم الملكي الذي كان رقمه 7/3/16/3996 بتاريخ 23 رمضان 1368ه، حيث تم فيه تكليف الملك عبد العزيز لابنه ونائبه في الحجاز الأمير فيصل الأشراف على الإذاعة ، وتأسيس مديرية الزراعة في عام 1361ه ، وتم تأسيس مؤسسة النقد العربي السعودي ، وتأسيس الخطوط السعودية التي سميت هكذا في يوم تسميتها ، والتي أصبحت تسمى في أواخر الخمسينات الخطوط الجوية السعودية ، كما جرى تأسيس مديرية الحج العامة وعلى صعيد الحكم فقد تم إعلان نظام الحكم وهو ملكي في عام 1351 ه وتسليم ولاية العهد ولأول مرة للأمير : سعود بن عبد العزيز آل سعود ، وتحويل لقب الملك في عام 1345ه من سلطان إلى صاحب الجلالة ، وإنشاء مجلس الوزراء السعودي في عام 1372ه وهذه من أهم الانجازات في مجال التنظيم الاداري للدولة ، وقد حرص الملك عبد العزيز على الاستعانة بخبرات عربية وغير عربية في مجال بناء هذه المؤسسات ووضع اللوائح والأنظمة المناسبة لها في بادرة عززت سلطة الدولة ، ومكنتها من بسط نفوذها داخليا وخارجيا ولله الحمد. واستمرت آلية التأسيس والتطوير في عهد الملك سعود ، وفيصل ، وخالد ، وفهد (رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه) وشهدت الدولة في عهد كل منهم قفزات نوعيه على الصعيد الداخلي والخارجي ، فبناء مؤسسات الدولة والاهتمام بالإنسان السعودي كان محور الاهتمام والعمل والبناء الداخلي ، وخارجيا تسنمت الدولة دورا مؤثرا وبناءا ، وأصبح لها المكانة اللائقة بها عالميا ، وشاركت المملكة بشكل فعال في أحداث إقليمية وعالمية ، لاسيما على صعيد القضية الفلسطينية ، والحروب العربية الاسرائلية ، واستخدمت سلاح البترول في عهد الملك فيصل لمصلحة القضايا العربية وكان لهذا الدور اثره البالغ عالميا ، مما جعلها تضطلع بدور أساسي وتتحمل عبئا كبيرا في مجال الانتصار لقضايا الامتين العربية والإسلامية ولا زالت المملكة على سياستها هذه في دعم قضايا الحق والعدل. وإليوم ونحن في العهد الزاهر لخادم الحرمين الملك الوالد عبدا لله بن عبد العزيز (حفظه الله) وامتدادا للعود السابقة ، تشهدت المملكة أكبر مشاريع الانماء والبناء في كل مجال ، ونخص بالإشارة بلمحة وجيزة عما تحقق في مجال التعليم ، والتعليم العالي بصفة خاصة ، إذ شهد هذا القطاع أكبر نقله في مجال البناء والتطوير ، فانتشرت المدارس بكل هجرة وقرية ، وفتحت الكليات بكل محافظة والجامعات بكل منطقة ، وبنيت المدن الجامعية ، فأصبح بكل منطقة ومحافظة العديد منها ، وتبنى الملك المفدى أكبر حركة ابتعاث خارجي لأبناء المملكة من الجنسين إلى عدد من الدول المتقدمة ، لنيل أعلى الدرجات العلمية والنظرية في شتى العلوم والمعارف ، مما سيكون لذلك مردودا إيجابيا كبيرا على الحركة العلمية والأكاديمية في الدولة، وسيدفع ذلك بالبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة بإذن الله تعالى. وفي مجال الخدمات الأخرى، فقد تم إقامة الكثير من المشاريع العملاقة في المجال الصحي ، بناء مدن طبية ومستشفيات كبيرة لتوفير الخدمات الصحية المتقدمة للمواطن والمقيم ، وكذلك الحال في مجال الطرق البرية والحديدية وأصبحت المملكة تحوي أكبر شبكة للطرق البرية ، كما تم ابرام العقود لإنشاء طرق حديدية جديدة لربط مناطق ومدن البلاد بشبكة متقدمة من الطرق الحديدية. وفي عهد الملك عبد الله (حفظه الله) تم اعتماد أكبر موازنة للدولة لهذا العام 1433 / 2012م كما شهدت الاعوام الماضية اعتماد ميزانيات كبيرة لتطوير وتحديث البنية التحتية للدولة في جميع مؤسساتها ومرافقها المدنية والعسكرية ، كما حدثت أكبر حركة توظيف للمواطنين والمواطنات في جميع مؤسسات الدولة وحضي التعليم بنصيب الاسد من ذلك. ويتم حاليا بناء أكبر توسعة للحرمين الشريفين في تاريخهما لخدمة ضيوف الرحمن، ولتسهيل أداء مناسك الحج والعمرة والزيارة لقاصديهما ، كما تم استخدام القطار لأول مرة لنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة مما أحدث نقلة نوعية في هذا المجال ، كما تم القضاء على مشكلة التزاحم عند الجمرات ببناء جسور متعددة الادوار ليتمكن الحاج من رمي الجمار بسهولة ويسر. كما تم بحمد الله القضاء على خلايا الارهاب في عمليات استباقية جنبت بلادنا ويلات الهدم والخراب ، وفي عملية موازية للخطط الأمنية جرى استصلاح كثير ممن تورط في هذه القضايا ، في بادرة سجلت اكبار وإعجاب وتقدير المجتمعات والدول الشقيقة والصديقة ، وأصبحت المملكة مثالا في معالجة هذه المشاكل ، وعلى واقع مثالي في مجال استتباب الامن والاستقرار. وعلى كل حال فإنه يصعب علينا الاحاطة بكل مجالات التطوير والبناء الشامل الذي شهدته المملكة في سابق العهد ولاحقه ، ولعل الحال الذي عليه مواطن هذه البلاد من الرخاء والأمن والاستقرار خير شاهد على ما أصبحت عليه المملكة من النعم التي من الله بها علينا. فأقول ونحن نحتفل بهذه المناسبة الوطنية الغالية ، إن من أهم ما يجب علينا كمواطنين وكمسئولين في هذه البلاد الغالية أن نشكر الله أولا على نعمه التي تترا علينا اناء الليل والنهار ، ومن شكر النعم المحافظة عليها وفي مقدمة هذه النعم ، أن جعل أمرنا إلى ولاة أمر صالحين يعملون دائما لما ينفع البلد وأهله ، ويدفعون عن الوطن مكائد أعداءه ويحافظون على مصالحه ، ويحرصون على تنميته وتوجيه الاموال الطائلة لتطويره والاستفادة من معطيات العصر في كل وجه يسعد المواطن ويرفع من مستوى الخدمات المقدمة له ثم يجب علينا الحرص على هذا الوطن والمحافظة على مكتسباته التنموية ومقدراته الاقتصادية ، وعلينا بذل الوسع في كل ما يعود على الوطن بالخير ، والسمع والطاعة في المعروف لولاة أمره. وعلينا جميعا عدم السماع لأبواق الشر التي تسعى لزعزعة أمن بلادنا الغالية ونشر الفتن بين أهله ، ويجب أن نعمل بإخلاص لؤد ما يحاك ضد بلادنا من مؤامرات ومخططات من الاعداء المتربصين بنا وبوطننا ، والتي لم تعد تخفى على أحد منا ، ولهم في كل زمان شعار ضلال وفتنة ، ولا يروق لهم ما تعيشه بلادنا من أمن واستقرار ورخاء وحسن انتماء لقيادتها. وكذلك يجب علينا العمل ليل نهار دون كلل ولا ملل للاستفادة من العوائد الكبيرة التي تضخها الدولة (حرسها الله) في ميزانيات الخير لصالح بلدنا في مجال الانماء والبناء والمحافظة على البنية التحتية لمؤسساتنا العامة والخاصة وأن نكون مثالا يحتذى في هذا الشأن وفي غيره ، ونعطى الانطباع الحسن عنا كمسلمين فديننا يحثنا على فضائل الاعمال والأخلاق ، ثم كمواطنين بدولة تعتبر القلب النابض للعالمين العربي والإسلامي. والله أسأل أن يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا ، ووطننا الذي نعيش على ترابه الطاهر ، وولاة أمرنا الذين نذروا انفسهم لخدمة الوطن والمواطن. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. ------ مدير جامعة الباحة