عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اضمَنُوا لي سِتًّا أَضمَنْ لَكُمُ الجَنَّةَ : اُصدُقُوا إِذَا حَدَّثتُم، وَأَوفُوا إِذَا وَعَدتُم ، وَأدُّوا إِذَا ائتُمِنتُم ، وَاحفَظُوا فُرُوجَكُم ، وغُضُّوا أَبصَارَكُم ، وكُفُّوا أَيدِيَكُم) رواه أحمد. هذا الحديث اشتمل على وصايا عديدة ، مضى الحديث عن بعضها ، وفي هذا المقام أتناول الوصية الرابعة ، وهي حفظ الفروج ، وقد وصف الله أهل الإيمان بقوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) ، قال ابن القيّم : أمر اللّه تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر المؤمنين بغضّ أبصارهم وحفظ فروجهم ، ولمّا كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضّه مقدّما على حفظ الفرج ، فإنّ الحوادث مبدؤها من النّظر ، فتكون نظرة ثمّ خطرة ثمّ خطوة ثمّ خطيئة. ولهذا قيل : من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه : اللّحظات والخطرات واللّفظات والخطوات ، ولا ريب أنّ حفظ الفروج وما يستلزمه من غضّ البصر والعفّة عن المحارم يؤدّي إلى تماسك بنيان المجتمع وسلامته من الأمراض الاجتماعيّة الفتّاكة كاختلاط الأنساب ، والأمراض الصحية المهلكة كمرض الإيدز الّذي انتشر في المجتمعات الفاجرة الماجنة بصورة تؤدّي إلى الخراب والدّمار ، أمّا على المستوى الفرديّ فإنّ حفظ الفرج يجنّب صاحبه ويلات الزّنا -وما أكثرها- وقد أشار إلى بعض ذلك ابن القيّم عند ما قال : الزّنا يجمع خلال الشر كلّها من قلّة الدين ، وذهاب الورع ، وفساد المروءة ، وقلّة الغيرة فلا تجد زانيا معه ورع ، ولا وفاء بعهد ، ولا صدق في حديث ، ولا محافظة على صديق ، إذ الغدر والكذب والخيانة وقلّة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من شعبه وموجباته. ومفهوم ذلك أنّ الذي يحافظ على فرجه يقي نفسه هذه الخلال السيئة ويتّصف بأضدادها من كمال الدّين والمروءة والغيرة والوفاء والمراقبة ونحوها ممّا يسعد المرء في الدّنيا والآخرة ، ولحفظ الفرج فوائد كثيرة ، منها : أنه يحفظ القلوب من التّعلّق بالمحرّمات ، وهو عفاف يمتاز به أهل العفة عن غيرهم ، ومن أطلق العنان لبصره فلا يأمن على نفسه من العثار، ويتعرض معه لغضب الجبار.