ما أجمل أنْ يتحلى المسلم بالصبر ، وأنْ يقف على قمة الرضا بما قدَّر الله ، طلباً للأجر ، وإيماناً بأنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأنَّ أمور العباد بيد ربِّ العباد الذي يقول للشيء كن فيكون. ما أجمل أن يؤمن المسلم بالقدر خيره وشره ، محققاً بهذا الإيمان ركناً من أركانه يكتمل به بناؤه. صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - وفقه الله لكل خير - رأيناه في مواقف كثيرة صابراً محتسباً راضياً بقضاء ربه في فراق بعض أحبته ، وسمعناه يردد عبارات الاسترجاع ، والحمد لله الذي يستحق الحمد وحده دون سواه ، رأيناه كذلك فدعونا له ، وقدَّرنا صبره واحتسابه ، وعزيناه عزاء من يعرف له قدره إنساناً مسؤولاً متحملاً أعباء كبيرة في مجالات متعددة من الأعمال الرسمية ، والخيرية ، والثقافية. هنا في مواقف (الموت) ليس أمام الإنسان إلا الرضا والتسليم ؛ فهو القدر الذي لا مفرَّ منه ، وهو النقطة الفاصلة التي تتبين عندها قدرات البشر الضعيفة مهما كانت قوَّتهم ، فالإنسان يظل راكضاً في دروب الحياة ، ظاناً أنه متصرِّف فيها ، قادر عليها ، ولا يفطن إلى قدرته المحدودة مهما كان متمكناً في هذه الدنيا ، وقد يشطح أحدنا في هذه الحياة متناسياً نفسه ، متجافياً عمن ينصحه ، ويظل كذلك حتى يأتيه الموت ، فيدرك حينها ضعفه ، ويقف على حقيقة نفسه. نعم ، هنا في مواقف الموت يتوقف الإنسان المسلم متعظاً ، صابراً محتسباً ، فيكون أجره عند الله عظيماً. أبا فهد ، حينما نقول لك: أحسن الله عزاءك ، وعظم أجرك ، وآجرك في مصابك خيراً ، وغفر لزوجتك - رفيقة عمرك - ورحمها ، فإننا نختصر في هذه الكلمات شعورنا نحوك ، ونؤدي بها شيئاً من حقك علينا رمزاً من رموز الحُكْم المهمة في بلادنا الغالية التي تسمع منكم في كل موقف ومناسبة ما يثلج صدرها من كلمات الحبِّ لها ، ولعقيدتها الخالدة وشريعتها الرائدة ، والتأكيد المستمر على ارتباطها بكتاب ربها وسُنّة رسولها عليه الصلاة والسلام. مقام الصابرين عند الله عظيم ، وإني لأرجو أن تكون من أصحاب هذا المقام الجليل الذي يؤكد ربنا سبحانه وتعالى أنه مع أصحابه إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ، والذي يبشر الله أصحابه بشارة مطلقة وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ فقد رأيتك صابراً في وداع من رحل من أبنائك ، كما رأيتك صابراً في وداع رفيقة حياتك ، وهو وداع صعب على قلب الإنسان لما سبقه من العِشْرة الطويلة ، والمشاركة في حلو الحياة ومُرِّها. أعزِّيك أنت وأولادك ، وأسأل الله - عز وجلَّ - أن يرزقنا وإياكم جميل الصبر ، ويهدينا إلى أحسن القول في مثل هذا المقام {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. وأقول لك هنا ما قلته لك في القصيدة التي عزيتك فيها ذات يوم قائلاً: فَقْدُ الأحبة عاصفٌ من حسرةٍ=بهبوبه تتزلزل الأركانُ لولا اليقينُ لما أفاد قلوبَنا=صَبْرٌ على البَلْوى ولا سُلوانُ يا فاقد الأحباب صَبْراً إنها=دنيا فناء ، طَبْعُها النُّقصان لو دامت الدنيا ، لما ذاق الرَّدى=أحدٌ ، ولا لمس الثرى إنسانُ ما الموت إلا موردٌ لا ينثني=عن حوضه شِيبٌ ولا شُبَّان هي ساعةٌ كُتبتْ فإنْ حانت فما=يحمي الفتى أهلٌ ولا إخوانُ ما الجاهُ؟ ما الأموال؟ ما الطبُّ الذي=يَشْفي؟ وماذا يصنع الأعوان؟ سيموت - حتى الموت - هذي سنةٌ=في الدين منها شاهد وبيانُ صَبْراً أبا فَهْدٍ ففي الصبر الرِّضا=والصَّبْرُ في قيظ الأسى بُسْتانُ عزَّاك من شعري وفاءُ حروفه=ومودَّة بُنِيتْ بها الأوزانُ عزَّتْك قافيةٌ لها من مهجتي=نَبْعٌ ، ومن حُسْنِ العزاءِ لسانُ وأخيراً أقول: (أبا فهد ، أحسن الله عزاءَك) وأقول: (أولاد الفقيدة ، أحسن الله عزاءكم).