الزميل الدكتور عثمان الصيني يواصل مسيرة التفوق والتميز حتى لكأنهما مهمته الأساسية في الحياة دون أن يقصدهما أو يتصنعهما ، حضرت مع من حضر حفل المجلة العربية بمناسبة انتقالها إلى المبنى الجديد القديم وإعادة هيكلتها ، ولعل الذين حضروا وشاهدوا العرض المرئي لتطورات المجلة لاحظوا الفرق الهائل بين ما كانت عليه قبل أن يتولى الصيني رئاسة تحريرها وبين ما أصبحت عليه الآن توزيعا ومبيعات واشتراكات ومطبوعات وإصدارات شهرية عميقة المضمون متنوعة الاهتمام ، أما المبنى فهو مبنى المجلة القديم لكنه بحسن التدبير والتوفير والذوق تحول إلى موقع يليق بمجلة تخاطب العقل العربي وتحتفي بالإضاءات الإبداعية والثقافية في الوطن العربي كله. ولا أريد الاستطراد حول المجلة فكل المعلومات عنها وحولها متاحة على موقعها الذي دشنه وزير الإعلام منذ فترة قريبة ، لكنني أجدها فرصة لأتحدث بإيجاز عن الزميل الصيني الذي يعد من الرموز المميزة في مسيرة الإعلام السعودي بصفة عامة والصحافة بصفة خاصة ، فضلا عن تميزه الأكاديمي الذي يعرفه زملاؤه وتلاميذه وقراء مؤلفاته في هذا السبيل ، ولعل كثيرين لا يعرفون أن عثمان يجيد معظم لهجات العرب إضافة لإجادته للفصحى بصورة لا ينازعه فيها أحد بحكم تخصصه في فقه اللغة ونشأته بين قبائل الطائف ، ومع إجادته للإنجليزية فهو يرطن بالصيني مع أنه سليل جد ولد في الطائف. تبدأ معرفتي بالدكتور عثمان منذ نحو ثلاثين سنة عند بدايات عملي الصحفي في الطائف ، وعندما كانت معركة الحداثة مشتعلة وقد كان من أبرز منظريها ، ومنذ ذلك التاريخ أصبحنا صديقين ، ولحاجتي للاستفادة من ثقافته وسعة اطلاعه سعيت لأن تكون صداقتنا حميمية وكان كريما في استجابته وتجاوبه مع رغبتي في تمتين العلاقة معه مع أنه – وقد يفاجئه تصريحي بهذا الأمر – كان على معرفة تامة بحاجتي إليه بينما لاحاجة مطلقا لمن هو في مثل قامته آنذاك لمثلي ، ومرت الأيام حتى تشرفت بزمالته عن بعد ككاتب متميز داعم ومجانا لصحيفة البلاد بقلمه وفكره ومقترحاته حين تطويرها في النصف الثاني من التسعينيات من القرن الميلادي الماضي ، وأثناء تأسيس صحيفة الوطن شرفت مرة أخرى بزمالته نائبا لرئيس التحرير ، ولم يمض على صدور الصحيفة بضعة أشهر حتى أصبح أبوحازم مع الزميل الدكتور سعد بن مارق هما القيادة الحقيقية للصحيفة حيث أثبتا عمليا أنهما أفضل من رئيس التحرير الذي سلمهما القيادة عن قناعة , وهي قناعة لم تكن سرية فقد أعلنتها ومازلت أعلنها وإعلاني لها موثق في صحف سعودية وقنوات تلفزيونية وهو كان وما زال مصدر فخر واعتزاز لي فمن لا يعترف بفضل وأفضلية الآخرين فإنما يخدع نفسه ويغالطها ، ولم يكن ذلك حلما ولا ادعاء فعندما حانت الفرصة وترأس الدكتور رئاسة تحرير هذه الصحيفة (الوطن) بالتكليف لمدة عامين تقريبا نجح في إعادة وهجها الذي خبا ، ونافس بها على الصدارة التي تستحقها ، واستقطب لها أقلاما جديدة وقدمها فأصبحوا نجوما ، وهنا أود أن أقول إن الفضل في اكتشاف كل الكتاب والكاتبات الذين قدمتهم (الوطن) منذ صدورها يعود لهذا الصيني الذي كانت ومازالت لديه حاسة ثاقبة في اقتناص هؤلاء الموهوبين من صفحات القراء ومواقع النت ، ولم تكن مهمتي حين كان لي مهمة معه سوى (البصم). تعلم المهنة الصحفية وأصولها وأخلاقياتها ليست صعبة على الموهوب الراغب ، الصعوبة تكمن في الثقافة التي تتطلب جهدا وصبرا ومثابرة ، والأصعب منها الفهم والاستيعاب وبالتالي الإنتاج ، المثقف المنتج هو الأيقونة أو الشمعة التي تبحث عنها في زحمة حفاظ المتون وظلمة الجاهزين للغناء مع كل طرق ، فكيف يكون الحال إذا اجتمعت الثقافة والمهنة ؟ عثمان الصيني مثقف كبير منتج ، وصحفي متمرس وإداري متميز يحبه كل من يعمل معه ، ومع احترامي الكبير للمجلة العربية ولدورها وللمكانة التي أصبحت تحظى بها ، إلا أن مكان عثمان ليس هنا ، مكانه فيما أعتقد في مطبوعة أكبر وأهم ، وخدمتها الوطنية أوسع وأشمل. بقي أن أقول: إن رحلتي إلى الرياض لحضور حفل المجلة كانت رحلة معاناة ابتداء من حجوزات الطيران ، ومرورا بالتعرف على الفندق وملابساته وانتهاء بالوصول إلى موقع المجلة ، وقد تأكدت أن سبب المعاناة عثمان شخصيا فهو صاحب مقالب ، طبعا من باب (الميانه) شكرا يا دكتور.