في حديث توماس فريدمان لفضائية بلومبيرغ عن الثورة المصرية البيضاء ، أشار إلى أن الرئيس السابق لم يتحْ فرصة لأي شخصية قيادية بالظهور على مسرح الحياة العامة ، وتلك بالطبع سمة تتكرر عمومًا في الأنظمة الشمولية ، التي تريد من الكل أن يُسبِّح بمجدها ، وألاّ يُذكر غيرها بخير إلاّ من خلال النظام نفسه، والرئيس بعينه. يقول فريدمان: إن مبارك أقنع الغرب أن ليس في الساحة المصرية إلاّ مؤسستان فقط لا غير: الحزب الوطني الحاكم بقيادة مبارك ، والإخوان المسلمون ، ولا شيء بينهما. والإخوان كانوا (الفزّاعة) التي طالما رُفعت في وجه الغرب ؛ كي يغض الطرف عن كل ما يحدث في أرض الكنانة. طبعًا هي حيلة قديمة ، لكنها انطلت على الغرب ، أو هو تظاهر بأن الحيلة انطلت ، والغرب -كما نعلم- يعبد مصالحه لا غير ، ومصالحه تعني مصالح بلدانهم وشعوبهم ، ولا تعني أبدًا مصالح الفرد الذي يتقمص دور البلاد كلها ، فلا مصلحة للبلاد إلاّ إذا كانت مصلحة له ولعائلته ، ثم لأصحاب الحظ والحظوة من البطانة المقربة. ولذا عندما يضطرب الشارع لا يجد النظام مَن يتحدّث عنه بعقلانية ، وهدوء ، وحكمة ؛ لأن الفرصة لم تُتحْ أصلاً لظهور قيادات قد تلتف حولها الجماهير ، وهي مطمئنة إلى أنها ستمثلها ، وتعبّر عن مطالبها ومواقفها ، وتحترم تطلعاتها وطموحاتها. مرة أخرى كل ذلك يجري لأن ثمة جمهوريات تريد الاستفراد بالحكم عقودًا طويلة ؛ حتى تُتاح الفرصة لذريّتها من بعدها كي تخلفها ، بعد عمليات تلميع شديدة تحت مسمّيات متنوعة ، من شاكلة (أمين السياسات) ، أو (المبعوث الخاص) ، أو (المستشار الأول). كلها بالطبع حيل مكشوفة معروفة ، يستحيل تمريرها ، لكن أصحابها يمارسونها دون حياء ولا خجل ، حتى تصبح جزءًا من الحياة العادية اليومية التي يعتاد الناس عليها تدريجيًّا. إنها عمليات غسل دماغ جماهيرية مستمرة ، بل ومدروسة بعناية فائقة ، خاصة في بلدان مهمة مثل مصر العريقة الأبيّة. ما يهدف إليه فريدمان هو التأكيد على أن إلغاء الآخر قد يتسبب في حدوث فراغ يصعب على الغرب ملئه بسهولة. مرة أخرى إنها مصلحة الغرب ، تلك التي يتحدّث عنها فريدمان!!