هناك تجربتان خاضتهما جدة ، إحداهما مريرة جدا ، ويجب على بقية المحافظات والمدن تلافيهما وأخذ الاحتياطات اللازمة لعدم تكرارهما ، والأخرى التي ولدت من رحم الأولى ويجب على البقية الأخذ بها وتكوينها وتشجيعها ووضع الأطر اللازمة لتطويرها. التجربة الأولى سوء حال البنية التحتية الذي أفضى الى كارثتين مؤلمتين مازال سكان جدة يتجرعون مراراتهما حتى الآن ، نظرا لضخامة الدمار والخراب الذي نشأ عنهما مع تساقط الأمطار ، وحيث إن جدة أصبحت في دائرة اهتمام الحكومة ومن المنتظر أن يسفر هذا الاهتمام عن حلول مؤقتة لتلافي مايمكن تلافيه فيما لوتكرر هطول أمطار تشابه أمطار الأربعائين الأسودين وهي جهود بدأ تنفيذها في الميدان فعلا حسب تصريحات المسؤولين ، وحلول جذرية طويلة المدى نسبيا لمعالجة كامل مشكلة البنية التحتية لتشمل شبكات الصرف الصحي وتصريف الأمطار والسيول وليتها تشمل أنفاقا لكافة مجاري الخدمات الأخرى من كهرباء ومياه وهاتف وغيرها ، حتى تنتهي المدينة من المشكلة الأزلية مع الحفر والدفن اللذين يتناوبان رفع ضغط الناس . أقول حيث إن جدة أصبحت كذلك فإن على بقية المدن والمحافظات أن تأخذ من هذا الاهتمام حافزا لتصحيح أخطاء بنيتها التحتية أو إنشائها إن لم تكن موجودة ، وألا تنتظر حتى يحل بكل منها كارثة أخرى لترفع صوتها وتستغيث ، فالخطأ واضح وعلاجه معروف ، ومن الحكمة المبادرة إلى تطبيقه قبل أن تقع الفأس في الرأس . التجربة الثانية هي تجربة التطوع الرائعة التي كتبت عنها يوم الأربعاء الماضي وكتب عنها كثيرون غيري ، وهي تجربة رائعة تستحق الدعم والتشجيع والتعميم ، والتعميم يعني أن تشرع باقي المحافظات والمدن في تشكيل لجان التطوع عن طريق إمارات المناطق والمحافظات وبتعاون كافة القطاعات الأخرى الحكومية والأهلية، سيما بعد أن حازت تجربة المتطوعين والمتطوعات في جدة ثناء الجميع وتقديرهم تبعا لما قاموا به من دور متميز جعل المفتي وعددا من هيئة كبار العلماء يثنون عليه ، ويحثون على الاقتداء به ، متجاوزين عنعنات البعض الذين أرادوا التقليل منه بحجة الاختلاط التي لا يستقيم لها منطق ولا يقبلها عقل في مثل هذه الظروف الصعبة ، حيث نقل لي صديق من الطائف أن أستاذا جامعيا يعمل إمام مسجد هاجم وسائل الإعلام التي سلطت الضوء على متطوعي ومتطوعات جدة قائلا إن ذلك الاهتمام له أهداف مشبوهة ، لكنه عجز عن تحديد تلك الأهداف عندما سئل عنها أمام الناس وأمام الوضع الصعب جدا الذي كانت تعيشه جدة ويعمل فيه المتطوعون والمتطوعات بصورة لاتتيح لهم فرصة تناول الطعام، فكيف يجرؤ أحد على اتهامهم بما لا يليق. لقد بذل المتطوعون والمتطوعات جهودا رائعة بل ومذهلة الأمر الذي يجعل تعميم تجربة التطوع من خلال لجان وجمعيات مدنية في جميع المدن والمحافظات ضرورة حضارية واجتماعية وحمائية. تجربة جدة لابد من التأمل فيها وتلافي عيوبها وتعميم فوائدها ، فلا يصح أن تتكرر سلبياتها في موقع آخر ، ولايجوز أن نستفيد من إيجابياتها في كل مكان ، فالعاقل من اتعظ بغيره.