بعد هذا المطر المكلل بالحزن ، والذي قد تستوعبه أية (مدينة فقيرة شرق آسيوية مؤهلة بالكوادر الذكية) ، والذي اجتاح مدينة جدة الأربعاء الماضي ، أعتقد أن كيل أهل هذه المدينة قد طفح كما طفحت شوارعها ومواجعها بالألم والفزع والجثث ، إلا أن أمر الملك بمحاسبة كل من قصر في حق هذه المدينة أتى بلسما خفف من هول ما خلفته الأمطار في حق العروس. عام وأكثر مضى على أربعاء الثامن من ذي الحجة ، ليأتي أربعاء آخر ، وما بين الأربعاءين دموع ذرفت ، وأحزان تجدلت ، وأرواح أزهقت ، ونفوس أرهقت ، ومناصب تسامقت ، وأسماء احتفلت بنشوة دون حساب أو عقاب أو يقظة ضمير! لن نحجم الجهود التي بذلها الدفاع المدني وآلياته ، ولن نلوم الجهات المعنية بكشف الحقائق والتصريح بعدد المفقودين والمحتجزين أثناء هذه الكارثة ، ولن نعتب على مسؤولي أمانة جدة الذين أضاعوا (الأمانة) منذ أمد بعيد ، وتناوبوا على انتهاك هذه العروس قبل أن تزف إلى (كوشة) الفرح المستعار ، فقد أمِنوا العقاب فاهتموا بتصريف الأموال وأهملوا تصريف السيول! ولن يعاقب الوافد الذي يستغل الأزمات ليرفع أسعار المواد الغذائية ومشاوير سيارات الأجرة وسيارات السحب (الونشات) ، أو نقاضي أصحاب الشقق المفروشة الذين يطلبون أوراق النفي والإثبات ويضاعفون أجرة المسكن والمأوى؟! فهؤلاء لم يعاقبوا في أوقات الرخاء ، فكيف في أوقات الشدة؟! ولكن سنلقي تساؤلات مشروعة وموجوعة ، بعد مرور سنة على مأساة إنسانية لا تزال صورها المؤلمة عالقة في ذهنية كل إنسان عاش أو عايش أو سمع أو رأى تلكم المشاهد المفجعة ، ونقول: متى نتائج لجان التحقيق والتقصي في محاسبة وكشف أسماء المتورطين بما حدث؟! وإلى متى ونحن ندير الكوارث بهذه الحلول المؤقتة والقرارات المهدئة والتصريحات المخدرة؟!