كان الصحابة لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتدبّروها ، ويعملوا ما تدل عليه ، فتعلّموا العلم والعمل جميعًا ، ثم خرج من بعدهم خلف غالِبهم هجر القرآن تلاوةً ، وحفظًا ، وعملاً ، وحكمًا ، واستشفاءً ، ومنهم مَن قرأ القرآن على طريق الهذرمة والهذ ، وقليل مَن تدبّر القرآن ، وعمل به ، وأرى أن نتفق جميعًا على صفحة واحدة غير ما يتلوه الواحد منّا من حزبه ، وهذه الصفحة الواحدة من القرآن ، أو الوجه الواحد نتلوه بتدبّر وتفكّر وتأمّل يوميًّا ، ونكرره ، ونتغنى به ، ونقف عند فواصله ، ونحاكم أنفسنا إليه ، ونعرف تفسير ما صعُب منه ، ونداوي به جروح قلوبنا ، ونعرض عليه أمراضنا ، ونأخذ منه حلاً لمشكلاتنا .. صفحة واحدة أيُّها المسلمون يوميًّا بتدبّر ، بحيث تكررها كثيرًا بأوقات صلواتك ، وفراغك ، وراحتك ، بحيث تقف عند كل كلمة منها وقفة مسلم صادق ، مؤمنًا بالله، متّبعًا لرسوله صلى الله عليه وسلم ، يرجو لقاء الله ، ويريد ثوابه ، ويخشى عقابه. أمّا المُعرِض ، الغافِل ، الجاهِل ، الجامِد ، الجاحِد فلا كلام معه ، فثقافته بدون نور القرآن وبالٌ عليه ، وعلمه بدون هدى القرآن حجةٌ عليه ، فسعيه باطلٌ ، وعمله مردودٌ عليه ، وحياته لا قيمة لها .. قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ، أُفٍ لكاتبٍ ، ومثقفٍ ، وأستاذٍ ، ومفكرٍ ، وفيلسوفٍ لم يجعل القرآن إمامه ، ولم يناجِ هذا القرآن ويشاجيه ، ويجعله أنيسه ، وجليسه ، وسميره ، وربيع قلبه ، وجلاء همّه ، وذهاب حزنه ، ويلٌ للأقلام التي تعارض مسيرة القرآن ، وتعترض على إرشاداته: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) ، (فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ). أمة الإسلام رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا: أَليس فيكم ذرة من همّة ، وقطرة من حماس ؛ ليقرأ الواحد منكم بتدبّر صفحة واحدة من القرآن يوميًّا ؟ وقد أذهبتم الساعات الطوال لِلَهوكم ، ولِلَعبكم ، ولِسَهركم ، ولِطَربكم ، فاجعلوا وقتًا قصيرًا لتدبّر صفحة من القرآن ، والتغني بها ، والتباكي عندها لتملأ أنوار القرآن ، وبركة القرآن، وهداية القرآن بيوتكم وقلوبكم .. أخرجوا الشياطين من رؤوسكم ، ومنازلكم بتلاوة القرآن ، اطردوا القلق والحيرة والوسوسة والشك بتلاوة القرآن ، يقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم مَن تعلّم القرآن وعلّمه) ، ويقول: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه). قام أحد طلبة العلم في الرياض بتقرير صفحة واحدة على خاصّة طلابه يوميًّا ، يتدبّرونها ، ويكرّرونها ، ويحفظونها ، ويعودون إلى تفسيرها إذا احتاجوا ، ثم يلتقي بهم في المساء ، فيتدارس معهم هذه الصفحة ، ويسألهم ، ويحاورهم ، ويشرح لهم هدايتها ، ويستخرجون كنوزها ، ويطّلعون على أسرارها ، ويهتدون بأنوارها ، فيعيشون في رياض الجنة ، وتغشاهم الرحمة ، وتتنزل عليهم السكينة ، وتحفهم الملائكة ، ويذكرهم الله في من عنده. تعالوا أيُّها المسلمون نتّفق على تلاوة وتدبّر صفحة واحدة من القرآن ، وسوف ترون النتائج العظيمة ، والثمار اليانعة ، وجزاكم الله خيرًا.