هذه هي بوابتنا الجميلة، بألوانها الزاهية، ومصراعيها الفسيحين اللذين يستوعبان كل من يتجه إليهما ليدخل إلى عوالم السعادة والصفاء واليقين. مصراعان مفتوحان، لو اتجه إليهما سكان الأرض كلهم لما ضاقا عن أحد منهم أبداً، وكيف تضيق بوابة الخير التي يفتحها الله سبحانه وتعالى لعباده الصالحين المقبلين عليه. بوابة عشر ذي الحجة، أفضل أيام السنة بإجماع العلماء؛ لأنها تمتاز عن غيرها من الأيام بوجود ركن من أركان الإسلام فيها ألا وهو ركن الحج الأكبر، وبوجود يوم عرفة الذي لم تطلع الشمس على أفضل منه كما صح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. اللهم حقق لنا دخولاً مشرفاً من هذه البوابة العظيمة - يا رب العالمين -. كنت في الطائرة أتأمل تحقيقاً صحفياً مصوراً عن مكةالمكرمة هذه الأيام - أيام أواخر ذي القعدة - وقد لفتت نظري صور لعدد من الفنادق، والأبراج، علقت عليها لوحات لأسماء حملات الحج المختلفة، وأعلام لعدد من الدول الإسلامية تدل على موقع حجاجها، فكانت لوحة رائعة متميزة، تؤكد عظمة فريضة الحج التي تجمع المسلمين من كل مكان، وعظمة البيت الحرام، والمشاعر الطاهرة التي تفتح صدرها، وتمد ذراعيها، وتنشر ظلالها على كل قادم إليها قاصداً بيت ربه، متجهاً إليه بقلبه، ملبياً مكبراً مهللاً.. يا له من منظر بديع، ويا له من مقام رفيع، ويا له من فضل كبير منَّ الله سبحانه وتعالى به على بلادنا الطاهرة وعلى أهلها حكومة وشعباً. نعم، ثم نعم، في هذه المشاعر المباركة تلتقي القلوب، وإليها تتجه الدروب، وعلى رحابها يدرج المسلمون القادمون من كل فج عميق، يدرجون في أمن وراحة وطمأنينة ترسم أجمل صورها على ملامح وجوههم المشرقة بفرحة القدوم إلى هذه البقاع الطاهرة. هنا - أيها الأحبة - تظهر عظمة دين الإسلام، الدين الحق الذي يجمع القلوب على طاعة الله، ويؤلف بينها تأليفاً يعجز عنه البشر مهما بذلوا في سبيله من الغالي والنفيس، فنحن نعلم بتلك الجهود الضخمة التي تبذلها حكومات العالم لتجميع الناس في مناسبة معينة، وبما ينشر لها من الدعايات عبر آلاف الوسائل الإعلامية وبما يصاحبها من البهرجة التي تغري الناس بالحضور، ثم تكون المعاناة في تنسيق تلك اللقاءات، وبذل الجهود الكبرى في تسيير الناس وتوجيههم، أما في هذه المناسبة الإسلامية الكبرى فإن الناس ينظمون أوقاتهم بأنفسهم مقبلين إليها، وينتظرون الأيام الأول من شهر ذي الحجة بفارغ الصبر، وكلهم متجه بروحه وعقله وقلبه لأداء حجه، وكلهم عارف بما فرض الله عليه، مطلع على خط سيره منذ خروجه من منزله في أي موقع في العالم إلى وقت رجوعه إليه بعد أداء فريضته، وتبقى الجهود الكبيرة المبذولة من المملكة العربية السعودية مختصة بخدمة هذه الجموع، وتوفير وسائل الراحة التي تحقق لهم أداء فريضتهم في أجواء إيمانية لا نظير لها. هنا تكمن عظمة الحج الأكبر في هذه البلاد الطاهرة المباركة، وهنا تظهر - كل عام - هذه الصورة المشرقة لهذا الموسم العظيم، أسأل الله - عز وجل - أن ييسر لحجاج بيته الحرام حجهم، وأن يمُنَّ عليهم بالقبول، وألا يحرمنا جميعاً من أجر هذه الأيام المباركات. موسم لا كالمواسم، موسم خير وبركة، ويقين، موسم عبادة وذكر ودعاء، وتلبية وتهليل وتكبير، وموسم منافع يشهدها الناس لا يمكن أن تتحقق إلا في هذه المشاعر؛ فالحمد لله أولاً وآخراً. إشارة: