موسمٌ عظيمٌ مَنَّ الله على بلادنا برعايته وخدمة ضيوفه ، وتطوير مشاعره تطويراً متميِّزاً يرى تميُّزه القريب والبعيد ، والعدوُّ والصديق. موسم الحج الأكبر بما له من قيمة دينية في الإسلام بصفته الرّكن الخامس من أركانه ، وبما له من قيمةٍ روحيّة عميقة عند المسلمين ، بصفته عبادة يتجرَّد فيها الإنسان من بهرج الدنيا وزينتها ، منطلقاً إلى ربِّه ، مردِّداً في يقين (لبيك اللهم لبيك) ينطق بها قلبه قبل أن يرتفع بها صوته ، ويترنَّم بها لحناً صافياً تتغنَّى بجمال إيقاعه الآفاق. ما تزال الجهود التي تبذلها المملكة في خدمة حجاج بيت الله الحرام تنمو وتتطوّر ، وتواصل مسيرتها في تيسير أداء هذه الفريضة بصورة تستحق الإعجاب ، وتوجب علينا دعمها قولاً وعملاً ، ونصيحة وتوجيهاً ، ودعاءً خالصاً بالحماية والرِّعاية من الله الذي يرى من استطاع من عباده المؤمنين يتوافدون إلى بيته الحرام من كل فجٍّ عميق إنها جهودٌ متواصلة لا تنقطع ، مرئيَّة لا تخفى ، بارزةٌ لا يُغْمَط حقُّها ، ولا يستطيع حاسدٌ أو حاقدٌ إنكارها ، وهي - مع ذلك كلِّه - جزءٌ صغير من واجب كبير نشعر في هذه البلاد بأننا نحمل مسؤوليته أمام الله سبحانه وتعالى ، ثم أمام كلِّ مسلم ينتمي إلى البيت الحرام ، والكعبة المشرفة ، والمشاعر الطاهرة انتماءً روحياً راسخاً لا يتزعزع ولا يتضعضع ، وما هذه الجهود المباركة إلاّ حقٌّ علينا لكلِّ مسلم ينتظر موسم الحج بفارغ الصبر ليؤدي ركناً من أركان دينه قبل أن يفارق الحياة. هنا يتوجَّه الحديث إلى كلِّ من له علاقة بأعمال الحج وخدماته سواءٌ من كان منهم تابعاً لجهات حكومية ، أو من كان منهم مطوّفاً ، أو صاحب حَملَة ، أو تاجراً في أيّ مجال من مجالات التجارة ، يتوجَّه إليهم الحديث بالنصيحة الصادقة أن يكونوا على مستوى المسؤولية في هذا المقام الجليل ؛ فيخلصوا في أعمالهم ، ويراقبوا الله في تعاملهم مع ضيوف الرحمن ، ويروِّضوا نفوسهم في هذه الأيام المعدودات على القناعة والرِّضى بالقليل في مرابحهم المالية ، وعلى الأداء المتميِّز النَّزيه في أعمالهم الوظيفية ومسؤولياتهم الإدارية. إنّ كلَّ من له علاقة بأعمال الحج مُطالَبٌ بالأداء المتميِّز ، وبذل أقصى ما يستطيع من الوقت والجهد ، لأنه عُنصرٌ فاعل في مجموعة متكاملة ، تعطي العالم كلَّه الانطباع الأخير الذي يرسخ في النفوس ، وترسم الصورة الذهنية لجهود المملكة العظيمة في هذا المقام العظيم ، ونحن جميعاً نسعى إلى أن يكون الانطباع الأخير جميلاً في النفوس ، والصورة الذهنية مشرقة في الأذهان موسم الحج الأكبر ، ساحة للعمل الذي يرفع صاحبه عند الله إذا كان الإخلاص له رائداً ، وكان الجِدُّ له قائداً ، كما يرفع صاحبه عند الناس حينما يرون جهده المتواصل ، وعمله الدؤوب طيلة أيام الحج ، وكيف يقدِّر الناس من يخدمهم ، ويمدَّ لهم يد العون؟ تتحوّل المملكة في موسم الحج الأكبر إلى ساحة عمل كبيرة تشترك فيها معظم الجهات الحكومية ذات العلاقة بخدمات الحج ، وعدد كبير من شركات ومؤسسات القطاع الخاص ، ويا لها من ساحةٍ فريدةٍ لا يمكن أن يجري لها في العالم نظير ، أو شبيه ، وهذا ما يؤكد عظمة الرِّسالة ، وأهميّة الدّور ، وضخامة المسؤولية. اللهم يسِّر لحجاج بيتك الحرام حجَّهم ، واحفظهم من كل سوء ، وافتح لبلاد الحرمين أبواب التوفيق والنجاح في خدمة هذا الموسم العظيم. إشارة أنت أصفى نَبْعاً وأقْوَمُ هَدْياً=جلَّ نَبْعاً للمسلمينَ الكتاب