عالم كل إنسان هو داخله الذي تسبح فيه آماله وآلامه وأحلامه ومشاعره وهواجسه وأفكاره، ولا يكاد يعلم غير الله عمق واتساع ومحتوى هذا العالم. أما ما أعلن من هذا العالم فيكشف ما يقدر صاحبه على كشفه ويظل الجزء الأكبر حبيسا إن كان خيرا وإن كان شرا، فقد يخفي البعض الخير تواضعا أو زهدا في الثناء، وقد يخفي البعض الشر خوفا أو خجلا. الشر الحبيس هو المقلق في حياة البشر لأنهم يحملون أحيانا مالا يطيقون إما البوح به أو العجز عن البوح، فما ظهر أصبح سيرة في الناس ولا أحد يملك حينئذ أن يتراجع. وسائل تعميق العالم المخفي كثيرة اليوم منها الفضاء المظلم من الإنترنت وأخواتها والحياة الاجتماعية المختلط فيها جانب الأعمال بجانب الترفيه بجانب الأوضاع وتنسيق العلاقات إلى جانب ما تقذف به العولمة من سلوكيات وعادات تكاد تصبح إرثا مشتركا. كلما أمعن صاحب العالم المخفي الفاسد في تقمص شخصية الصالح المنافح عن الفضيلة والخلق القويم كلما غرق المجتمع في عالمه الفاسد لأنه يستدرج من يركنون إليه ليفاجؤوا بما قد يظهر فلا يملكون إن ضعفوا إلا الاتباع أو الصمت.. القوة أن يعالج المرء باطنه ليكون على الأقل في نقاء ظاهره، وهنا يتحقق من التوازن ما يحقق للحياة ما يضمن لها صفاء ونقاء واستدامة.