الحمد لله أن أمطار الرياض توقفت عند الحد الذي وصلت إليه وإلا تحولت إلى كارثة، وأمين الرياض الدكتور عبدالعزيز بن عياف الذي قال هذا الكلام ليس الوحيد الذي يعرف السبب، فلم يعد هناك أحد لا يعرف، هناك خلل تنموي ضخم واضح يعرفه القاصي والداني ولايحتاج لتكرار. فما شهدته الرياض الأسبوع الماضي شهدته جدة قبل بضعة أشهر، وشهدته مدن كثيرة في الشمال والجنوب والشرق والغرب في صور متكررة، وشهدته العاصمة نفسها عام 1996، وسيظل يتكرر ما لم يعالج هذا الخلل، ولاجديد يمكن أن يضاف، فمجاري الأودية اعتدي عليها وأصبحت أحياء سكنية في غفلة من الزمن دون تصريف ولا احتياطات، والطرق العملاقة في المدن نفذت بمواصفات هندسية لم تضع في حسبانها المطر والسيول، والجهات المسؤولة عن البنية التحتية كل منها يعمل وفق برنامج خاص وكأن كلا منها في دولة أخرى. فمنذ أربعين سنة تقريبا والناس يتحدثون والصحف تكتب والجميع يسأل لماذا لكل جهة من جهات الخدمة لها حفرتها الخاصة وبرنامجها الخاص؟ وفي النهاية لا تجد سوى إجابة واحدة تتكرر بأنه النظام الذي وزع دم البنية التحتية على عشرات الحفارين بينما كان يمكنه إلزامهم جميعا بحفرة واحدة تتسع للجميع. وعندما تقع أي مشكلة مثل التي تحدثها الأمطار تتكشف مشكلات الحفر التي حفرت والتي لم تحفر فكل جهة تبحث عن حفرها لماذا حفرت بشكل سيئ أو لماذا لم تحفر وكل جهة تلقي باللائمة على الأخرى، فالبلديات تكتشف أنها لم تحفر حفرها لتصريف الأمطار والسيول في أحياء كثيرة جدا حفرت بعضها مصلحة المياه للمجاري، بينما تجد حفر البلديات للسيول والأمطار في مواقع أخرى لم تحفر فيها مصلحة المياه مجاريها وهكذا تسير الأمور فكل يغني على حفرته، ولا أدري ما هي الحكمة من ضياع طاسة الأولويات والتنسيق مع أن الكل يعرف أن هذا خلل ضخم. نعم هنا واقع عصي على الفهم، الكل يعرف أن هناك خللا ضخما في التنسيق وفي التنفيذ وفي ترتيب الأولويات، والحل بديهي واضح ولا أحد يأخذ به، هل رأيتم بناء تقوم أعمدته فوق الأرض قبل اكتمال القواعد والأساسات، وهل رأيتم عمارة واحدة ينتهي تشطيبها وتزيينها بينما المقاولون كل حسب إمكاناته ووقته مازالوا يتناوبون على إنشاء قواعدها وأساساتها، وكل مقاول يرسم وينفذ قاعدته بمعزل عما فعله المقاولون الآخرون. هذا هو حال معظم مدننا وكل يوم نكتشف أن أجزاء حيوية وخطيرة من البنية التحتية لم تنفذ، والأدهى أن كل الطرق والأحياء والواجهات من المال العام وبالمليارات فكيف تتدفق كل هذه الاعتمادات المالية على الفروع وتجف عند الجذور أليست المعادلة هنا مقلوبة؟ هنيكم الرحمة.