توصل علماء النفس إلى أن الأطفال الذين يحظون بمن يقرأ لهم القصص في سن مبكرة يكونون في وضع نفسي أفضل ، ويستطيعون أن يطوروا قدراتهم على التخيل والنجاح مستقبلا ويستطيع هؤلاء الأطفال مع التعليم والتدريب أن يتزودوا بسهولة بالمعرفة ، و هم أفضل من أولئك الأطفال الذين تروى لهم القصص في سن متأخرة وهو سن بداية دخول المدرسة .. وروى الكاتب بورخيس لويس أن فعل القراءة يمثل دائما تهديدا للأنظمة القمعية .. فكان العبيد الأرقاء في أمريكا قبل التحرير يتعرضون لأشد أنواع العقوبات إذا اكتشف مالكهم قدرتهم على القراءة والكتابة وليس هناك عقاب أقسى من فصل الأب عن أطفاله أو الزوجة عن أسرتها بالبيع .. وماوتسي ألغى الجامعات وأرسل طلاب الثانوية من الجنسين للعمل في الزراعة وكتب فولتير مقالات بعنوان (المخاطر المركبة للقراءة) حيث يقول : الكتب تشتت الجهل وفي كتاب (تاريخ القراءة) يورد الكاتب عشرات الحكايات التي استهدفت الوعي عن طريق إحراق الكتب . إذ أحرقت كتب بروتاغوراس في أثينا عام 441 قبل الميلاد ..و أمر الإمبراطور الصيني شيهوانغ بإلغاء كلمة القراءة من قاموس الشعب وحرق جميع الكتب الموجودة في مملكته وفي العصر الحديث وقف وزير دعاية هتلر يتفرج على حرق أكثر من 2000كتاب وسط ذهول الشعب في برلين و عدسات التصوير ... إن للقراءة فعلا قويا وللكلمة المكتوبة فعل أقوى .. إنها تحول وتحويل لكل شيء محدود وجامد وشحيح إلى معرفة ..إلى جرعة ماء .. إلى ذاكرة لا محدودة .. إلى كون واسع ..إلى ثروة تأخذ بيدك وتطوف بك العالم ...الاطلاع على جميع الأشياء وبالجملة يجعلك تحول جميع الأشياء إلى جملة واحدة وتصبح جملتك وبهذه الجملة تنتهي جميع الأشياء إليك ، فتشعر بأن العالم كله ملك يديك .. تهاب منك الطرق ويهابك عصر الثروة فلا يلمس فيك أغلى ما تملك من قيم أو مثل ...ونحن على وشك الانتهاء من برنامج موهبة الصيفي في أرامكو والذي ينفذه مركز المواهب الوطنية وتشرف عليه مؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع ويضم أربعين طالبة من المرحلة الثانوية تأكدت أن كل شيء في هذا الكون غامض والإنسان هو ملتقى الغموض في الكون .. فتساءلت كثيرا عن مصدر ذلك ثم أقامت التساؤلات في وجهي فوضى من الردود .. حاولت العبور فوجدت أن معبر البعد عن غموض النفس نجهل الطريق إليه .. هل موهبة هؤلاء الطالبات موجودة قبل البرنامج ولدينا الدليل العلمي أو الفني على ذلك باستثناء المقاييس لأنها عبارة عن مجموعة من الأسئلة العامة ذات الإجابات البديهية التي يفترض أن تعرف إجاباتها ؟ ويتوالد سؤال آخر هل هذه البرامج للموهوبين أم للأذكياء ؟ هل تعليم التفكير هو المبتغى والمقصد منها ..هل عرفنا بأي جزء في جسمنا نفكر بعقولنا أم بقلوبنا أم بالاثنين معا ..وهل تأكدنا أننا نفكر بعقولنا أم بقلوبنا أم بالاثنين معا .. أم أن هذه البرامج فرصة تعليمية لخلق الإبداع لمن لم يجد من يستهدف قدراته بسؤال مثير أو أسلوب محفز في مدرسته وخلال العام ..فرصة تعليمية لمن لم تحظ القراءة والكتابة فعل الموهبة الحقيقي وسرها بالاهتمام والعناية في بيئته التعليمية أو الأسرية... تقول الأبحاث الحديثة: إن التفكير يبدأ من المكان أو الحاسة الأولى التي تلامس القضية والحاسة الأولى التي تلامس فينا القضايا هي قلوبنا فهي المحرك الأول لأعمالنا وأعمالنا هي محصلة لأحاسيسنا والارتقاء بالقلب هو ارتقاء بالعقل .. ما أبعد العمق الذي بيني وبين الوعي النفسي بتفاصيل هؤلاء الطلاب ..تعجزني قدراتي أن أقبض على شيء .. لذا قررت أن أفكر بل وأتعلم كيف أفكر قبل أن تنساني الأقدار في مجاهل هذا الكون ....