وقت للدهشة كان هذا عنوان المحاضرة الذي اختاره دكتور الفيزياء الدكتور خالد اليحيا التي ألقاها على طالبات برنامج موهبة الصيفي وكانت حقا وقتا للحيرة حقق فينا هدفه حيث طال بنا الوقوف أمام تساؤلاتنا ونحن قد نوينا وفق خطة التعليم التي خضعنا لها طوال السنوات الماضية أن نسير عليها لا أن نقف أمامها ... وغمرتنا عتمة الليل ونحن في أول النهار وفي أول الضوء .. وسمحنا بالدخول لعالم الحيرة فتحط على أكتافنا أثقال كالجبال ونحن لم نرث عشق الهموم .. سرنا معه في طريق طويل له نهاية ولكن ليس له خط للعودة. فهل نواصل المسيرة دون ضجر من وعورة الطريق ونحسن توديع حياتنا التي لا تعرف من الزمان إلا الصباح ...أم نكمل المسيرة ولكن بعيدا عن أنفسنا وعن وعينا العقلي حتى لا تظهر علينا علامات من كان فظا غليظ القلب ...أوقات الدهشة التي تمر بنا كثيرة وتتكرر في حياتنا صباحا حين نستيقظ من النوم وليلا قبل النوم وفي نهايات اليوم والأسبوع وفي المناسبات وفي العطل وفي الأعياد .. في المطر إذا اشتد البرد وفي الصيف حين ترتفع حرارة الطقس وحين تتفتح مباهج الحياة .. تندهش لأنك تشعر بأن رزنامة الطبيعة قد تآمرت عليك.. وقت المحاضرة كان ضيقا لكنه امتلأ بالحيرة فقد غيرت فينا نظرية أن مالا نعرفه لا نقف أمامه حائرين بل نطرح السؤال وراء السؤال ونتابع محاورته إلى أن يفسح لنا الطريق... فما وقف إنسان من الدهشة حائرا دون أن يجد تفسيرا لوقوفه إلا أصابه الشلل الذهني . وضاع عليه أجمل ما في مرآة هذا الكون البديع .. فما الإنسان ومشاعره وتأملاته إلا حركة كونية داخل ذاته فيها الشمس والنجوم وفيها القمر والليل ..أدهشتنا مقدرة الدكتور ورغبته في التأكد من حقائق علمية آمنا بها وسلمنا بها وبنينا عليها الكثير من النظريات والعلوم والمناهج وحتى قصص الأطفال .. بل أصبحت مرجعا ودليلا لعاداتنا العلمية وأفكارنا وذكرياتنا .. ولم نسأل طوال هذه السنوات ...لماذا؟؟ خلال دقائق أصابتنا الدهشة من قدرتنا التي ضعفت أمام تحديد مصدر الإصابة بالدهشة هل هي رحلته العلمية الغريبة التي بدأت بحلم غريب وهو التأكد من كروية الأرض وبنفسه فهو كما يقول يهوى التحقق من صحة الحقائق العلمية واختبارها بنفسه ...أم من أسلوب الباحث الذي جمع بين لغة العلم ولغة الخيال والأدب فكأن اللغة في داخله هي صوت الإبداع الذي أبهرنا مهنة الباحث كانت رفيقة دربه بدأت رحلتهما معنا من الأرض ثم انطلقنا معهما إلى الفضاء والنجوم وبالذات النجم الذي أصغى لصوته العلماء ( الكواسار) نجم صغير جدا في حجمه لكنه كبير في مجراته وطاقته الضوئية التي أوقفتهم حائرين أمامه وعاجزين .. ثم تساءل وتساءلنا معه دون أن نصل إلى إجابة وهذا مصدر آخر للدهشة ..ماهي لغة الكون ؟؟ هل هي الأرقام كما يزعم (جولدباج ) الذي أثبت أن أي عدد زوجي أكبر من اثنين يتكون من رقمين أولين أم أن الأعداد الأولية هي الحمض النووي لجميع الأعداد .. أم الأشكال هي لغة الكون كما اتفق على ذلك معظم العلماء ومن أبرزهم ديكارت ...أدهشنا مسار الحياة الذي حدده الباحث مع مهنته وكيف جعلها تأخذ بيده.. أدهشنا حين عرفنا حقيقة العلم الذي لا يجيب على الأسئلة وإنما يخلق الأسئلة وأن العلم لا يشكل قوة للأمم والدول بقدر ما يكشف ضعفها ويشعرها به .. أدهشنا وهو يستريح ويتخيل وينسج رواقا خاصا من فلسفته ومن نظرته إلى ما حوله ..أدهشتنا مشكلة الإنسان مع التاريخ وسوء الفهم الواقع بينهما حيث كنا نعتقد أن كل ما قاله التاريخ هو كل ما عرف حقا واكتشفنا أنه لو كان ذلك كذلك لامتلأت سماء الإنسان بالضباب ولأصابه الأذى .. كان حقا وقت للدهشة ...!!