يرتفع قدر الإنسان، ويعلو شأنه حينما يكون من أهل القرآن الكريم، لأن للقرآن بهاءه وجماله، ورفعته وجلاله، فهو كلام الله سبحانه وتعالى ملك الملوك، الذي خلق الكون كلّه، وأحاط به علماً، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فما من حرفٍ واحدٍ فيه إلا والحقّ يكتنفه من كل نواحيه، وما من كلمةٍ تأخذ مكانها في نسقه البياني البديع، إلا وهي من البلاغة المعجزة في المكان الرفيع، وإنّ للقرار الكريم من الضياء والبهاء، ما لا تخطئه عيون العقلاء، حتى أولئك الذين لم يدخلوا دائرة الإسلام إذا سمعوا تالياً للقرآن، أصغوا إليه الآذان إصغاء مَنْ يشعر بأنه له حلاوة، وعليه طلاوة. كان نجم حفل افتتاح المؤتمر العالمي الأول لتعليم القرآن الكريم في جدة الذي عقد من يوم السبت الثاني والعشرين من شهر جمادى الثاني إلى الاثنين الرابع والعشرين منه، هو ذلك الطفل الطاجيكي محراب الدين محمد الذي قرأ ما تيسر من القرآن في الافتتاح وهو في الثامنة من عمره وهو يحفظ القرآن كاملاً حفظاً مجوّداً متقناً. كان نجم الحفل بلا منازع، وكان هدية المؤتمر إلى من حَضَرْ، تلا تلاوة بديعة فبَهرْ، وقرأ القرآن بثقة تلفت النظر، ولقد سمعت جملة «ما شاء الله» المضيئة تملأ أجواء القاعة. حفظ محراب الدين القرآن في سنتين، حفظاً قوياً متمكناً مجود أحسن التجويد، وقد التقيت به وبوالده وأخيه الأصغر منه لقاء خاصاً، ذلك لأنني أهديته مقطوعة شعرية من بين المقطوعات التي ألقيتها في المؤتمر قائلاً: أهدي هذه المقطوعة إلى الطفل المبارك «محراب الدين» من طاجكستان، هذا القارئ المتمكن الذي سعدنا بسماع صوته جميعاً، وهي مقطوعة عن سموّ الإنسان، حينما يرتبط بالقرآن، ولعلي أوجه إليه قصيدة خاصة به قريباً بعنوان «محراب الدين». وهذه المقطوعة تعبر عن رفعة الناس الذين تقوى علاقتهم بكتاب الله، لعلها تنشر في هذه الجريدة. حرص والده بعد ذلك على اللقاء بي، وكنت أنا حريصاً على اللقاء به، وكان اللقاء معه ومع ولديه محراب الدين وأخيه الأصغر والمترجم، وسألت أباه عن حفظه كيف تمّ فقال: شعرت بقدرة كبيرة عند محراب الدين تدلّ على حافظة قوية، فهو يحفظ أي شيء يقال له بسرعة هائلة وجميع النصوص في المدرسة يحفظها سريعاً ويلقيها علينا كما هي، قال فاتفقنا أنا وأم محراب الدين على أن نوجه هذه القدرة الكبيرة التي منَّ الله بها على ابننا لحفظ القرآن الكريم، خاصة وأن المدرسة قد بدأت تركز عليه منذ الأسبوع الأول في حفظ الأناشيد، وغيرها من النصوص التمثيلية في داخل المدرسة. وقلنا: نرفع مقام ابننا عند ربّه، ونحظى بتاج الوقار الذي وعد الله به من علّم أولاده كتابه الكريم، ولم نجد عناء -والحمد لله- فقد كان محراب يسبقنا في حفظ القرآن، ورأينا من انطلاقه في حفظه ما أدهشنا وأشعرنا أن هذه هبة من الله سبحانه وتعالى.وتحدثت مع محراب الدين، فكان كلامه جميلاً، من حيث المعاني التي ترجمها المترجم، لأن محراب الدين وأباه لا يتحدثان بالعربية، ولا يعرف منها محراب الدين كلمة واحدة إلا السلام عليكم، وعليكم السلام، فإذا تلا القرآن استقامت اللغة على لسانه أحسن استقامة. قال لي: أنا أصبحت إنساناً آخر اختلف عن محراب الدين السابق، فقد شعرت أني أنظر إلى الحياة نظرة الطفل الذي يشعر بأن قيمة الحياة كلّها تتوقف على القرآن الكريم، وقال: أتمنى أن أتعلم اللغة العربية لأزداد فهماً للقرآن، وإدراكاً لمعانيه، ووجدت عنده من رباطة الجأش والثقة بالنفس ما أثلج الصدر. قال: لما بدأت أحفظ القرآن كنت أشعر بحلاوة عجيبة لكلماته، وكنت ألاحق أبي وأمي حتى في أوقات أشغالهما أو أوقات راحتهما، لأن حلاوة القرآن كانت تغريني بالاستمرار والحمد لله. اللهم احفظه وسدّده ووفّقه، واحفظ كل حافظ لكتابك الكريم وقارئ له، وعاملٍ به، ومؤمن بما فيه من الهدى. إشارة: كل ما في الحياة يغدو صغيراً=حين يبقى القرآن فينا إماما يلهث الناس في الحياة ويبقى=أهلُ هذا القرآن أعلى مقاما