صناعة الحوار تحتاج لرجال أصحاب حنكة وحكمة، وعندما أعلن خادم الحرمين الشريفين مبادرته للحوار العالمي بين أتباع الأديان السماوية والثقافات المعتبرة، قبلها العالم أجمع حكوماتهم وشعوبهم، لأنهم يعرفون وزن وثقل هذا الرجل العظيم في حنكته وحكمته وسياسته، بدأ مبادرته للحوار بدعوة علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها للاجتماع في مكةالمكرمة بجوار بيت الله الحرام لترتيب البيت الإسلامي، ثم الانطلاق نحو الحوار مع الآخر، ليأتي بعدها مؤتمر مدريد وقد أصبحنا برؤية واحدة نتحاور فيها مع الآخر. ولعلي كواحد من العاملين في رابطة العالم الإسلامي، التي تشرفت بمشاركة كبرى في تنظيم مؤتمري الحوار في مكةالمكرمةومدريد، أن أنقل بعض المشاعر التي عشناها في تلك الفترة للمساهمة في هاذين الحدثين الكبرين. كانت مكةالمكرمة قبل عام من الآن، وبالتحديد داخل مبنى الرابطة مثل خلية نحل تعج بالحيوية سعيا لإنجاح أبرز وأكبر حدث إسلامي عالمي، ذلك هو المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي احتضنته مكةالمكرمة في الثاني من جمادى الآخرة 1429ه، برعاية وتشريف ومباركة خادم الحرمين الشريفين، الذي خرجت في ختام أعماله وثيقة مكةالمكرمة، المحددة لأسس الحوار مع أتباع الثقافات والأديان السماوية الأخرى. تحدث خادم الحرمين الشريفين في ذلك المؤتمر أمام علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها بشفافيته وصدق، معبرا عن رغبة صادقة في إحلال السلام لتعيش البشرية في أمن واستقرار وتفاؤل بمستقبل أجيالها، فأكد في كلمته في افتتاح المؤتمر أن الطريق للتعايش مع الآخر لا يكون إلا من بترسيخ القيم المشتركة، ولا بد لنا كمسلمين أن نبدأ بالحوار خاصة أنه منهج قرآني أصيل، وممارسة إنسانية، وثقافة راسخة. أصداء هذه الذكرى العطرة لذلك اللقاء الإسلامي الكبير، لا تزال باقية في أرجاء مكةالمكرمة، وفي أروقة مبنى الرابطة، ولا زلنا نشتم عبيرها الذي أثلج صدور كل المشاركين والعاملين في ذلك المؤتمر، وما أجمل تلك الجهود العظيمة التي كان يقودها بها رجل طالما حمل هموم الأمة الإسلامية على عاتقيه منذ نعومة أظفاره، رجل شهدت له القيادة الحكيمة وغيرها بالإخلاص والأمانة والعمل الدؤوب، ذلك هو أمين عام الرابطة الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الذي يقف وراء تلك النجاحات المستمرة لها. جاء بعد ذلك المؤتمر العالمي للحوار في العاصمة الأسبانية مدريد، الذي دعا إليه الملك عبد الله، ليجمع علماء المسلمين مع رموز الأديان السماوية والثقافات الأخرى، بحضور خادم الحرمين الشريفين، وملك أسبانيا، فتوجه الملك عبد الله بكلمته إلى العالم وشعوبه يؤكد فيها أن السلام والتسامح لا بد أن يسود العالم، فتناقلتها وسائل الإعلام العالمية بما فيها الغربية، وأسهبت في وصف تلك الكلمة، قراءة تحليلية واقعية، لما حملته من قيم إنسانية عبر عنها الملك الإنسان. لنطلق مبادرة الحوار إلى هيئة الأممالمتحدة، فوضعت ضمن بنود اجتماع الجمعية العامة تلك المباردة الرائدة للملك عبد الله، ليلقي في ذلك الاجتماع الأممي كلمة قليلة في حروفها، كبيرة في معانيها، لتأخذ مبادرته حيزا كبيرا من ذلك اللقاء الأممي، ليصبح ذلك القائد بحق ملك الحوار العالمي وصانعه.