لم يعد _ في ظل المؤامرة الإيرانية المكشوفة على الخليج والإحتلال الإيراني للعراق _ الحديث عن أيِّ دولة من دول الخليج شأنا داخليا ، هذا بصورة عامة أمَّا الكويت خاصة فإنَّ ما يحدث فيها تجاوز كلَّ حدود ودرجات الإنذار بالخطر ، إلى درجة أنَّنا نقول : لو تركت الأمور تجري وشأنها ، فذلك يعني كارثة وشيكة وماحقة للأمِّة . ولم يكن ما ذكره السفير الكويتي السابق في واشنطن أنَّ سياسة الكويت تجاه الخطر الإيراني ساذجة ، وخطرة ، سوى تعبير مخفّف عن تلك الحقيقة ، التي سنبسطها بعض الشيء في هذا المقال. كما لم يكن ما ذكره السفير الكويتي في طهران من عدم مبالاته لو سُّمي الخليج بالخليج الفارسي ! إلاَّ مظهراً واحداً عابراً من مظاهر ذلك الخطر الذي تحدث عنه السفير السابق في واشنطن. والحقيقة أنَّ وصف التعامل السياسي ، والأمني ، الكويتي مع الخطر الإيراني المستفحل بأنَّه ساذج ، بعيد أيضا عن الوصف المناسب ، فهو تعامل بلغ من الحمق ، إلى درجة إثارة الظنون أنَّه تواطؤ متعمَّد لبيع البلد برمتها إلى إيران ، بل إهداؤها مجانا بغير ثمن ! ومع أنَّ هذا الظن بلاريب مُستبعد ، غير أنَّ من يتابع مجريات الأمور ، لايلام أن ينساق وراءه ، فالحديث في الكويت _ حيث لايخفى سر _ يجري على جميع الأصعدة عن تمكين الجيوب ( الإيرانية الكويتية ) من أخطر مفاصل الدولة بلا أدنى مبالاة من السلطة السياسية ، بل بإزالة المعوقات ، وفتح الأبواب الموصدة !! كما يجري الحديث الشعبي ، وفي الوسط النخبوي ، عن فسح المجال للنشاط الإستخباراتي الإيراني ، وللتابع له من محور التحالف العربي الإيراني ، لتحويل الكويت إلى ساحة مثالية ، ومريحة جداً _ حيث يُستقدمون وعوائلهم ! _ لتهيئة البلاد للإحتلال الإيراني غير المباشر ، كما كانت تحكم سوريا لبنان ، وتكاد تعود ، إن لم تكن عادت ، ثم إلى إحتلال مباشر . وتتحدَّث مصادر مطّلعة أنَّ أعداد تلك العناصر الثورية ، والإستخباراتية ، والحزبية ، التابعة لإيران ، وللمحور العربي الدائر في فلكها ، تضاعف أكثر من ثلاث مرات في السنوات الأربع الأخيرة وأمّا ما نُشر في بعض الصحف المحلية من أنَّ عدد الحرس الثوري الإيراني المتخفِّي في الكويت 3 آلاف عنصر ، فما هو إلاَّ عدد ضئيل جداً ، تبعاً لما نقلته تلك المصادر المطلعة . والمتابع للمخطط الإيراني لإبتلاع الكويت يرى بوضوح أنَّه يعمل من خلال الجيوب الموالية له من الكويتيين ، ومنذ مدة طويلة على سبعة محاور : أحدها : تشجيع كلّ خطاب في الكويت يفصلها عن إنتماءها العربي ، من الدعوة المشبوهة إلى ترك نشيد المدارس ( تحيا الأمة العربية ) إلى شتم العروبة ، وتهجين الإنتماء إلى هويتها ! لاسيما بعدما وجدت الأرضية لذلك بسبب حرب الخليج عام 90م ، وكذلك بثّ كلِّ ما من شأنه أن يفصم الكويت عن هذا العمق ، تمهيداً لتحويلها إلى حديقة خلفية لإيران ، ثم ما يلي ذلك من مراحل تنتهي بإبتلاعها . وكان ، ولازال الناشطون الشيعة الموالون لإيران في الوسط الإعلامي الرسمي ، وغير الرسمي ، يعزفون على هذه النغمة ، بمنهجيّة ملحوظة ، وقد بلغت بهم الجرأة إلى حذف تصريح رسمي لولي العهد الكويتي يؤكد وقوفه على جانب المملكة العربية السعودية ضد التمرد الحوثي ، حذفه من وكالة الأنباء الكويتية كونا !! وقد استغلوا الضعف المنتشر في الإنتماء للهوية في الشعب ، وإنشغاله بملهيات الحياة ، في ظلِّ طفرة الثراء ، للتغلغل في الثقافة العربية ، والإسلامية للمجتمع الكويتي ، وتشويهها من الداخل . ومن الواضح أنه من النتائج الخطيرة لهذا المحور عدم مبالاة السفير الكويتي في طهران بتسمية الخليج العربي بالفارسي ! المحور الثاني : إلهاء الوسط الاجتماعي الكويتي _ لاسيما بعد إحتلال العراق _ بأنَّ الخطر على الكويت هو من أبناء السنة فقط ، بإستغلال ما يسمى ( الحرب العالمية على الإرهاب ) . وذلك لصرف الأنظار بهذا الإلهاء عن الخطر الحقيقي ، وهو الإنتشار السريع والمذهل للبنية التحتيّة التنظيمية للجيوب الإيرانية الكويتية المجنَّدة لمشروع التوسُّع الإيراني ، ولهذا السبب كانت تُضخَّم الأخبار المتعلقة ب ( الإرهاب ) في الكويت ، مركزة على أنَّه الخطر الوحيد ، وأنَّه لا يأتي إلاّ من الوسط السني ! لقد كانت ، وزالت ، تُقام مخيمات _ فضلا عن الكوادر الحزبية الكويتية الثورية التي تتلقى التدريب في إيران ، وغيرها من الدول العربية ، بما فيها الإعداد العسكري _ تدريبية للجيوب الإيرانية الكويتية في الكويت ، ويجري داخلها إعداد كوادر عالية الكفاءة على جميع ما يلزم لقلب كلِّ شيء في الكويت رأسها على عقب ، لصالح المشروع التوسعي إلإيراني ، وكان يتم التكتُّم على هذه المعلومات الخطيرة ، و حجبها عن وسائل الإعلام ، بغموض مثير للدهشة ! بينما يُطار بأيِّ خبر عن أيِّ شاب كويتي ذهب لأفغانستان أو عاد منها كأنَّ الساعة قد قامت !! ومما تسرَّب أخيراً في هذا الإطار ، صورٌ لمخيم لجيب إيراني كويتي ، كان يقام فيه طيلة 16 عاما ، طقوسُ الإحتفاء بمن فجَّروا في الحرم المكيّ أواخر الثمانينات _ وقد نُشرت إعترافاتهم آنذاك في التلفزيون السعودي أنَّ الذي كلَّفهم بالمهمة هو المرجع الديني الأعلى للكويتيين الموالين لإيران في الكويت بأمر من السلطات الإيرانية !! _ بوضع قبور وهميّة لهم ، عليها صور الخميني ، والخامئني ! في منتزه صحراوي كويتي . المحور الثالث : إشغال الكتلة السنيّة في الكويت بتعصُّبات داخليّة ، والتحريش بينها لإضعافها ، وتشتيتها ، وهذا ذكرناه بالتفصيل في مقال سابق بعنوان ( الكويت : صراعات هابطة في ظل أخطار محدقة ) هنا المحور الرابع : تقوية العلاقات الكويتية برموز الإحتلال الإيراني للعراق على أنها الصديق للكويت في العراق الجديد ، الذي سيضمن مصالح الكويت ، ويكفيها الشرور ، في الوقت الذي تعمل فيه هذه الرموز بما تحت يدها من إمكانات هائلة بعد إحتلال العراق ، لتمديد هذا الإحتلال ليشمل الكويت. المحور الخامس : نشر كذبة أنَّ الشيعة في الكويت هم 40% من السكان ، وإعادة نشرها ، وتكرار ذلك ، لكي تستقر في الوعي الجماعي ، ثم يتم بناء المكاسب السياسية ، والإجتماعية عليها ، بينما كلُّ الدلائل الواضحة تشير أن نسبتهم لاتتعدى 10% فقط ، ولهذا السبب يستغل الجيب الإيراني الكويتي ، دعم هذه الكذبة ، بإبراز رمزيَّات شيعية لاتعكس سوى محاولات إثبات وجود وهمي أكبر من الواقع الفعلي ، مثل بناء مساجد ضخمة على الخطوط السريعة ، وتكثير الحسينيات ، والمبالغة في إظهار المآتم الحسينية ..إلخ وجدير بالذكر هنا أنَّ ملف التجنيس في الكويت ، يحمل في طيه عشرات آلاف من الشيعة الموالين للمشروع التوسُّعي الإيراني ، ويستفيد الجيب الإيراني الكويتي من التركيز على هذا الملف ، في رفع كذبة أل 40% إلى 50% !! ، ولهذا يسعى الناشطون السياسيون الموالون لإيران في الكويت للإستفادة من هذا الملف . المحور السادس : التركيز في المنابر الإعلامية التابعة للجيب الإيراني الكويتي على إظهار رموز المشروع الإيراني على أنها رموز الأمّة ، مثل قادة النظام في إيران ، وحسن نصر ، ومغنية ..إلخ ، بل حتى الحوثي ! والغريب في الأمر أنَّ هذه الرموز الإيرانية التي تمجدُّها المنابر الاعلامية الكويتية الموالية لإيران ، تعادي أمريكا في الظاهر ، ومع ذلك يتم التعامل أمنيا مع تمجيدها بكلِّ هدوء ! وحتَّى ما أثير على تمجيد الجيب الإيراني الكويتي لمغنية الذي قام بكلِّ صور الإرهاب المحرَّم ضد الكويت ، تحوَّل إلى منافع هائلة للجيب الإيراني الكويتي ، وفشلت المؤسَّستان السياسية ، والأمنيّة ، فشلا ذريعا ، في ردع المحتفين بمغنية ، بل كافأتهم مكافآت لم يكونوا يحلمون بها ! بينما الرموز السنيّة المقاومة للمشروع الصهيوأمريكي ، مثل المقاومة العراقية ، والأفغانية ، والفلسطينية ، وغيرها ، تلقى من المحاربة ، وتشويه الصورة ، ما يثير الريبة ، وكأنَّ ثمة أيدي خفية تخطط لكي لايبقى في الشعور الكويتي أيّ رمزية في الأمّة إلاّ لمن يسير في ركب المشروع الإيراني التوسعي فقط !! المحور السابع وهو الأخطر : تخريب المنظومة الإجتماعية ، والسياسية ، والأمنية الكويتية الحالية ، وإعادة ترتيبها لصالح المشروع الإيراني ، وشلِّ قدرة الدولة على صنع جهاز أمني مركزي قوي يمكنه الحفاظ على المنظومة السياسية ، والأمنية الكويتية من الإختراق الإيراني . إنَّ المهمة الرئيسة للآلاف من العناصر الإيرانية والعربية الموالية لها ، الموجودة في الكويت ، والمدربة تدريبا عاليا _ إلى جانب دورها التخريبي فيما لو نشبت حرب ضد إيران _ هي تأهيل العناصر الكويتية الموالية لإيران ، لوضع مشروع يعيد ترتيب تلك المنظومة السياسية كلَّها بالسلطتين التشريعية والتنفيذية _ بما فيها وزارة الخارجية والسفارات _ والأمنية الكويتية _ بما فيها جهاز أمن الدولة _ لكي تخرج عن السيطرة الكويتية _ وتقع كما وقعت لبنان تحت المخلب السوري _ في حضن النظام الإيراني إلى غير رجعة . ومن الفوائد التي يجنيها النظام الإيراني بينما يجري هذا المخطط إلى نهايته ، وفي أثناء ذلك ، أن يثبت للغربيين نفوذه في الكويت ، وقدرته على التأثير فيها ، فيشكل ذلك ورقة يستعملها في المفاوضات ، أو مساومة يعقد عليها بعض الصفقات ، كما يستفيد من نفوذه على المقاومة الفلسطينية ، ولا أستبعد أن يكون إغتيال المبحوح كان تسريبا إيرانيا ، مقابل تسليم ريغي ، حتى لو كانت حماس لاتدري . وبعد هذا العرض يتبيَّن أنَّ الكويت واقعة فعلاً ، الآن ، وإلى لحظة كتابة هذا المقال ، تحت عملية جراحية إيرانية ضخمة ، وشاملة ، تجري عليها ، وهي في غرفة الإنعاش ، كأنها غائبة عن وعيها تماما !! وتجري هذه العملية لإجراء عملية تحويل جنسي ، تحوِّل الكويت من دولة عربية إسلامية ، إلى كيان مخَرَّب الهوية والإنتماء ، ثم إلى حديقة خلفية لإيران وجنوب العراق ، ثم إلى إبتلاع إيراني كامل لها . وتنعقد بصورة دورية إجتماعات غرف العمليات التنظيمية الكويتية للمجموعات الموالية لإيران ، ولغيرها من العناصر المستقدمة إلى الكويت ، لمتابعة عملية التحوُّل هذه إلى إستكمال نجاحها يشرف عليها كلُّها جهاز مرتبط بالحرس الثوري الإيراني ، مسؤول عن تصدير الثورة ، كما تدار كلُّ المنظمات الثورية الأممية . والغامض في الأمر كلِّه ، أنَّ هذه المعلومات كلُّها ليست خافية على الأمريكيين الذي يجري هذا كلُّه حول أكبر قواعدهم العسكرية في الخليج ، كما يجري أضعافه في العراق ! وختاما نقول إنه ما لم يتمّ تدخل سريع لوقف هذا الإبتلاع الخطير ، فإن (لبلننة ) الكويت ، في طريق إنتزاعها من عمقها الخليجى ، والعربي ، والإسلامي ثم وقوعها تحت الإحتلال الفارسي سيكون نتيجة حتمية في ظلِّ إدارة حكم أصبحت مضرب المثل في ( سذاجتها ) وضعفها ، وتخبطِّها ، وضياعها . ثم بعد ذلك ستقع الكارثة العظمى على الأمَّة بأسرها . نقول هذا محذِّرين ، مع أننا بحمد الله متفائلون بأن المخطط التوسعي الإيراني سيفشل ، ويتهاوى ، وسيكون ذلك أسرع _ بإذن الله تعالى _ من المتوقَّع ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون .