اعتبر خبراء استراتيجيون ودبلوماسيون عرب ان محاولتي التدخل الإيراني والاغتيال تمثل نقلة نوعية في السياسة العدائية الإيرانية تجاه دول الخليج، فيما رآها البعض محاولة إيرانية للمشاركة في صياغة التوازنات والتحالفات المتوقعة بعد الربيع العربي واحتمالات سقوط النظام السوري الحليف الاستراتيجي لإيران، مشيرين الى أن إيران تريد تقديم نفسها كقوة فاعلة في أية صياغات جديدة، وأنها لن تقبل بأن تكون الخاسر الوحيد من تداعيات الربيع العربي وأنها يجب أن تضاف الى قائمة الرابحين حتى لو اقتضى الأمر اللجوء الى سلوكيات مجرمة دوليا ممثلة في استهداف البعثات الدبلوماسية، إلى جانب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كما حدث في البحرين والمملكة. يرى وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد أن اللجوء الى الاغتيالات عمل غير مبرر ويخالف اتفاقية جنيف التي تكفل حماية البعثات الدبلوماسية، مشيرا الى أن تورط إيران في هذه المحاولة عمل لا يليق بدولة عضو في المجتمع الدولي ويجب أن تلتزم بكل الاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي، ووصف لجوء إيران الى سياسة الاغتيالات عملا مشينا ولا يتوافق مع سلوك الدول كما وصف التصفيات الجسدية بأنها أسلوب اجرامي تمارسه المنظمات الإرهابية وان مثل هذه العمليات تدعم وتساعد على تفشي وتقوية الإرهاب في العالم. ويضيف اللواء رشاد ان محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن تعكس السلوك الإيراني المتعمد للاضرار بدول الخليج وخاصة المملكة التي تقف سدا منيعا امام المخطط الإيراني للسيطرة على منطقة الخليج وأن سياسة الاضرار بدول الخليج العربي من قبل ايران هي سياسة منهجية وراسخة في العقيدة الايرانية وتسعى بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للإضرار بدول الخليج وبسط هيمنتها على هذه الدول وعبر وسائل مختلفة منها ما عرف مع قيام الثورة الاسلامية في ايران ب «تصدير الثورة» ثم بعد ذلك إثارة النعرات الطائفية بتأليب مواطنين في دول الخليج على حكوماتهم الشرعية، ومرات أخرى تلجأ إيران الى أساليب التجسس والاغتيالات، ما يمثل نقلة نوعية للسلوك الإيراني تجاه دول الخليج وخاصة المملكة التي تقف حائط صد ضد الأطماع الإيرانية، مشيرا الى أن إيران وبعد انهيار الدولة العراقية وتغلغل ايران في العراق باتت تتطلع الى بسط نفوذها في منطقة غرب مياه الخليج العربي. ودعا وكيل المخابرات المصرية السابق الى ضرورة تبني استراتيجية عربية لمواجهة التغلغل الإيراني في دول الخليج والدول العربية وقال إن إيران تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومى العربي ومطلوب استراتيجية عربية تعيد صياغة منظومة الأمن القومي العربي بصورة تستجيب لمتغيرات المرحلة الراهنة، ويرى ان الجامعة العربية مطالبة الآن بالقيام بهذا الدور والتحرك نحو دعم وحماية بعض أعضائه ممثلين في دول مجلس التعاون من التهديد الإيراني. وقال مندوب اليمن السابق لدى جامعة الدول العربية السفير عبدالملك منصور إن واقعة مخطط اغتيال السفير السعودي بواشنطن، يجب أن تقرأ من وجوه عديدة، وانه ليس من مصلحة المملكة او من مصلحة ايران دخول البلدين في حالة صدام، وأثق أن المملكة تملك من الحكمة ومن العقل ما يجعلها تعبر هذه الأزمة، وخاصة ان المملكة حاولت خلال السنوات الماضية أن تحتفظ بعلاقات طيبة مع ايران لأنها استطاعت أن تستوعب إيران وكل المتناقضات في الشارع الإيراني من تطرف تارة ومن أحلام تاريخية تارة اخرى. وأكد منصور أن هذه القراءة لا تنفي ان هناك تطرفًا في ايران وان هناك تناقضات في الشارع السياسي الإيراني وايضا ان هناك أحلاما امبراطورية لإيران وتسعى قوى إيرانية لاستعادة المجد الفارسي، وقال إن عدم اعمال العقل سوف يقود الى تداعيات خطيرة على المنطقة ولن تكون في مصلحة شعوبها. ويرى رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي بمركز الأهرام والخبير الاستراتيجي الدكتور هاني رسلان أن محاولة اغتيال السفير السعودي تعني أن ايران دخلت مرحلة جديدة في سياستها الخارجية تجاه المنطقة بعد احداث ثورات ما يسمى بالربيع العربي وبروز انهيار متوقع لحليف ايران الاستراتيجي في المنطقة وهو النطام السوري وانهيار القيمة الاستراتيجية لحزب الله سواء تم ضرب قوته العسكرية او لم يتم بعد سقوط النظام السوري، وهكذا يبدو لي ان إيران قررت التحول النوعي في سياستها والمشاركة في صياغة التوازنات الجديدة في المنطقة ولاسيما ان الاعلان عن محاولة اغتيال السفير تأتي بعد فترة وجيزة من التدخل الإيراني السافر في المنطقة الشرقية بالمملكة والتي تم فيها استخدام الأسلحة النارية لاول مرة من قبل عناصر موالية لطهران، وهذا يمكن من قراءة الواقعة بأنها محاولة من ايران للتكشير عن أنيابها والتأكيد على انها طرف فاعل في اية صياغة استراتيجية جديدة في المنطقة وانها تريد أن تكون الطرف الرابح من الربيع العربي والا تتوقف خانة الربح عند الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوربي وتركيا وان ايران ترفض ان تكون الطرف الخاسر في التوازنات الجديدة في حال سقوط حليفها الرئيسي في المنطقة ممثلا في النظام السوري وحزب الله. واستنكر اللواء دكتور جمال مظلوم مدير مركز التدخل الإيراني لإثارة القلاقل في القطيف والمحاولة الآثمة التي تعرض لها سفير المملكة بواشنطن عادل الجبير، وقال إنها محاولة خبيثة من جانب طهران لتنفيذ أجندة سياسية في المنطقة لا تتفق مع القيم والأخلاق الإنسانية ولا مع الأعراف والتقاليد الدولية، مشيرًا إلى أن محاولة الاغتيال انتهاك صارخ للسيادة الوطنية السعودية والأمريكية، وطالب مظلوم بضرورة تعزيز التعاون الخليجي لمواجهة التهديدات الإيرانية، وكشف جميع المعلومات المتعلقة بأنشطتها غير المشروعة لتجنب وقوع أي حوادث مشابهة مستقبلًا، لافتًا إلى أن طهران لم تكتف بعشرات العمليات الإرهابية التي استهدفت البعثات الدبلوماسية في مختلف أرجاء العالم، ابتداءً من طهران ومرورًا بلبنان وباكستان ووصولًا الى محاولة اغتيال سفير المملكة في واشنطن، لكنها حاولت إثارة القلاقل من قبل في مواسم الحج وما زالت، وقال إن حقدها الدفين إزاء العرب بشكل عام والمملكة بشكل خاص قد بلغ ذروته. وفسر مدير مركز محاولة إيران إثارة التوتر في المنطقة الشرقية للمملكة، بأن الإيرانيين لا زالوا يعيشون في حلم الإمبراطورية الفارسية عبر التدخل في شؤون الغير الذي وصل إلى حد التصفيات الجسدية، مشيرًا إلى أن تدخل إيران في شؤون البحرين وفي الكويت واحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث ومحاولة نشر الفكر الشيعي في دول الخليج بكل الطرق، مؤكدًا أن مثل هذه الأعمال الإجرامية لم ولن تضيع مكانة المملكة الريادية على جميع الأصعدة عربيًا وإسلاميًا وعالميًا. بل انها تصنع على العكس حالة التفاف عربي حول المملكة. وطالب اللواء نبيل فؤاد الخبير الاستراتيجي المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات أكثر حزما وصرامة لوضع حد للاختراقات الإيرانية للقانون الدولي واستهانتها بالأنظمة والشعوب وانتهاكها لسيادة الدول، كما طالب الولاياتالمتحدة أن تأخذ هذا الأمر بجدية بالغة لخطورة الموقف. وحذر المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية السفير محمد شاكر من وجود مخططات إيرانية تسعى للتدخل في شؤون المنطقة وتأجيج الاضطرابات بما يهدد استقرار هذه الدول، الأمر الذي يجب التنبه إليه ورفض أي تدخل إيراني. وتساءل شاكر عن التدخل الإيراني في البحرين، في الوقت الذي انتقدت إيران دخول قوات درع الجزيرة في الاضطرابات هناك رغم أن البحرين دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي وقوات درع الجزيرة، معتبرًا أن سلوك إيران ضد المملكة والدول الخليجية لن يتوقف ويحتاج إلى وقفة خليجية ومن قبل كل العرب لأن الاستهداف الإيراني لا يستثنى احدًا. وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان الدكتور جهاد عودة، أن ما قامت به إيران ضد المملكة وقبلها في البحرين هو جزء من مخطط إيراني امتد على مدى السنوات الماضية، وهو مخطط لم يتوقف في أي عصر من عصور الحكم هناك، لكنه تعرض في فترة من الفترات إلى ما يمكن وصفه بالهزيمة، مثلما حدث أثناء أزمة الحوثيين في اليمن. لكن مع تصاعد حدة التوترات الإقليمية التي تعيشها المنطقة العربية ككل، في الوقت الراهن، سعت إيران إلى إعادة رسم الخريطة الإقليمية بما يضمن استعادة الدور الإيراني، ودور القوى المؤيدة لطهران في المنطقة، بحيث تكون إيران دولة فاعلة على الصعيد الإقليمي. وأضاف عودة بأنه «يجب منع إيران من أن يكون لها تأثير نافذ في المنطقة من خلال إقامة علاقات استراتيجية قوية على صعيد دول الخليج كما هو الحال بالنسبة للدور الذي يقوم به مجلس التعاون الخليجي وقوات درع الجزيرة». وكذلك «إقامة علاقات استراتيجية قوية على صعيد الدول العربية ككل، إضافة إلى إقامة علاقات استراتيجية قوية مع الدول الكبرى بما يضمن حرمان إيران من اللعب بأوراق المنطقة وفقًا لمصالحها وأجنداتها التوسعية». أما مساعد وزير الخارجية الأسبق المرشح المحتمل للرئاسة في مصر الدكتور عبدالله الأشعل، فأكد أن الطموحات الإيرانية لا تتوقف عند حدود دول الخليج. وأشار إلى أن «إيران دولة لها طموحات توسعية تمتد إلى المنطقة كلها، وهي طموحات لا يمكن فصلها عن إصرار إيران على التعامل مع شيعة المنطقة على أنها الراعي الرئيسي لهم من أجل تحقيق أجندتها الفارسية التوسعية، حيث سعت طهران، على مدى عصور حكمها، إلى الرهان على مستقبل المنطقة من خلال الظهور بعباءة المدافع عن الشيعة، وهو ما يمكن مواجهته عربيًا وخليجيًا من خلال تفعيل الانتماء الوطني للشيعة والتكاتف العربي - العربي للتصدي للمشروع الفارسي. محذرًا من أن إيران نجحت في أن تكون الطرف الآخر في جميع الملفات العربية المشتعلة كما هو الحال في العراق ولبنان والبحرين، إضافة إلى كونها طرفًا في المعادلتين الأفغانية والباكستانية، كما أنها تهدد دائمًا بأنها قادرة على إغلاق مضيق هرمز الذي يمر من خلاله نصف بترول دول الخليج.