رصدت صحيفة اليوم سعود (خمسيني) يعيش حالة من التشرد منذ فترة ليست بالقصيرة، تجولت " اليوم " بحثا عنه في المكان الذي يتواجد فيه باستمرار حيث المنطقة المجاورة لمبنى إدارة الجوازات بالدمام، والتقينا بقصته مع الضياع هناك لدى بعض أصحاب المحلات التجارية القريبة والتي كان ولم يزل يتردد عليها طلباً للمساعدة، .. سعود .. حكاية غامضة فيها غير القليل من الأسرار والكثير من الأحداث .. فإلى قصة سعود وبدايات اللقاء: بداية المقابلة أثناء تجوالنا للبحث عن سعود التقيت أبا مؤيد الذي يمتلك معلومات لا بأس بها عن حياته، وأخبرته بالمقصد من اللقاء، وأنه عن سعود بهدف نشر قصته في صفحات الجريدة، فاصطحبني أبو مؤيد للمكان الذي يبيت فيه سعود وينام، وهو عبارة عن مستودع ضيق لا يتجاوز عدة أمتار، ويوجد فيه عدد من مولدات الكهرباء التابعة لإحدى العمائر السكنية، حيث يمكث في المكان ليلاً ويجوب الشوارع تائهاً على وجهه لا يعلم أين يذهب منذ بداية النهار بملابسه الرثة والمتسخة، وحالته التي يرثى لها، وعندما اقتربنا منه للتحدث معه خشيت أن يكون عدوانيا، ولكن على العكس تماما، فقد تحدث معنا بكل بساطة، وسألناه عن الأسباب التي أودت به إلى هذا الوضع ، ولكن .. كانت كل الإجابات غير واضحة. أبو مؤيد - الشخص الذي رافقنا – على اعتبار أنه أقدم شخص في المنطقة ولديه معلومات كافية عن حياة سعود .. يقول: "إن الأسباب التي أدت إلى تشرد سعود في الشوارع وافتراشه الأرصفة، تكمن فيما يعانيه من أمراض نفسية ناتجة عن ظروف أسرية مر بها، ومن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور حالته الصحية هي وفاة والده قبل خمس سنوات، فقد كان أبوه العائل والمسئول الوحيد بعد الله عنه، حيث كانا يعيشان معا في غرفة صغيرة، بحكم أن والده يعمل "كاتب معاريض" أمام بوابة جوازات المنطقة الشرقية، وكانت إمكانياته المادية بسيطة جدا، حتى قبل وفاته فقد كانت تنتاب سعود حالات نفسيه بين الحين والآخر حيث تجده هائما على وجهه في الشوارع لا يدري أي يذهب، وكان والده آنذاك لا يعلم أين يذهب ابنه، وعلى حسب علمي بأن سعود أصبح يبيت خارج البيت منذ ما يقارب خمسة وعشرين عاما، وجاءت وفاة والده لتزيد حالته النفسية سوءا أكثر". وأضاف أبو مؤيد عن واقع سعود: "حالياً يعيش سعود وحيداً فتجده يتنقل في عدة أماكن يبحث عن المأوى والمأكل، وذلك لأن أفراد أسرته الباقين جميعهم يعيشون في منطقة مكةالمكرمة، وهذا السبب الذي جعله لا يجد مكان يؤويه، حيث يفترش قطعة من الكرتون أمام أحد المحلات كي ينام ويلتحف السماء في شدة البرد وحرارة الصيف، هذا فيما يبلغ سعود حالياً من العمر 46 عاماً، و كل أصحاب المحلات التجارية ومكاتب الخدمات العامة المجاورة لإدارة الجوازات بالدمام تعرفه معرفة تامة، فهو يتردد عليهم بشكل دائم باحثاً عمن يعطيه بضعة ريالات يشتري بها طعاماً يسد به جوعه وأحياناً يأكل بالمجان، أما عندما يحل الظلام فإن سعود يتردد على مكان ينام فيه وهو مخزن صغير لعدادات الكهرباء التابعة لإحدى العمائر السكنية المقابلة للجوازات والتي خصصت لحفظ المولدات من العبث أو السرقة، وقد اتخذها سعود بيتاً يؤويه من برودة الشتاء وحرارة الصيف، حيث قام بوضع أغراضه الشخصية التي تتكون من غطاء قديم وجده في إحدى النفايات، وأخذه كي يلتحف به مع قطعة كرتون فرشها على الأرض وجعل هذه المخزن مسكنا له". صالح معشي موظف في مكتب خدمات عامة يشاهد سعود يومياً يقول :" إن الوضع الذي يعيشه سعود صعب جداً، ولا يحتمل السكوت عنه، فهو معرض للخطر في أي لحظة، والمكان الذي ينام فيه لو تعرض لماس كهربائي - لا قدر الله - لأودى بحياته في الحال، لأن هذه العدادات قوتها فوق 120 فولت، يعنى أن الرجل مهدد بالموت في أي لحظة". أما محمد – صاحب محل تجاري – فإنه يقول: "إن سعود رجل هادئ وليس عدوانيا، وهو قليل الكلام بسبب صعوبة النطق التي يعاني منها، فعندما يتحدث قد لا تستوعب ما يريد الحديث عنه، وعندما تقترب منه لمجرد التحدث معه تعتقد أنه لا يعاني من أي مرض يصيره إلى هذا الوضع، لذا أعتقد أن سبب الحالة التي يعيشها هي عدم الرعاية والاهتمام والتي أدت إلى تدهور صحته وأصبح على الحالة التي يعيشها الآن ". محمد السيد - عامل في مطعم من إحدى الجنسيات العربية منذ سبع سنوات - يذكر أنه يعرف سعود منذ مدة زمنية ليست بالقصيرة حيث كان يتردد على المطعم بشكل يومي باحثاً عن طعام أو شراب، و في أغلب الأحيان – على حد قول السيد - تجده يفترش الأرض بجانب باب المطعم لساعات عدة، ويضيف السيد: "..فلا يبخل عليه أحد بمد يد المساعدة له رأفة بحالة، وطبعاً غالبية أصحاب المحلات التجارية و المطاعم المقابلة لإدارة الجوازات يعرفونه عز المعرفة، لذا تجدهم لا يبخلون عليه بشيء لأنهم يعرفون حالته"، وأضاف السيد قائلا: "في بعض الأيام تجده منهكا من شدة التعب نتيجة كثرة السير على قدميه خلال ساعات النهار، وعندما يسدل الليل ستاره، تجده يأتي إلى المطعم طالبا ما يأكله، ونحن نحاول أن نعطيه ما يريد لأنه يستحق المساعدة، ثم يذهب بعد ذلك إلى المكان الذي ينام فيه"، واستدرك السيد بقوله: "إنه من المفترض على أسرته أن تسأل عنه ولا تتركه في هذا الوضع المحزن، وحتى الجهات المسئولة عن المشردين يجب أن يكون لها دور في إنهاء معاناة هذا الرجل الذي أصبح على مشارف الخمسين عاماً فيما يعيش مشرداً".