كانت البداية، من مترو الأنفاق الشهير في محطة رمسيس بإتجاه شبرا وبداخل مترو رمسيس بإتجاه ميدان التحرير.. الميدان الذى أدهش العالم ,ونجح فى اقتلاع جذور النظام البائد فى ثمانية عشر يوماً، فكيف شكل الميدان الآن؟ ومن يسيطر عليه؟ عندما تخرج من محطة السادات إلى الميدان تجد حركة المرور طبيعية، والمارة فى حالتهم من يمشى يساراً ويميناً، ولكن على الأرصفة تجد كل ما تشتهي الأنفس,فهناك من يفترش الأرض ويبيع مقتنيات قديمة، تشبه المقتنيات التى تباع فى خان الخليلى، وتذكارات للثورة، وحلة لغطاء الرأس هو اكثر ما أثار انتباهى، والمدهش ان أقل شيء يباع عنده يتخطى الثلاثين جنيهاً، وأنه لا يسمح لأحد بالفصال أو التقليل من ثمن السلع , وآخر يفترش زاوية امام مطعم شهير يبيع أعلام مصر وتى شيرتات للثورة وكابات وكروت كلها ثورية، وينادى بشعارات ثورية,وبجواره تجد آخر معاقا يبيع صورا للرؤساء الراحلين لمصر ورموز البلاد مثل جمال عبد الناصر ، وكلها بأسعار رمزية. وعلى ركن آخر بجوار مدخل محطة مترو السادات، طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، يبيع المناديل الورقية، قال أنه ينام ويأكل ويشرب ويربح من التحرير، فهو يساعد والدته ببيع المناديل، والمارة يوفرون له المأكل والمشرب، وزاوية أخرى يوجد بائع الجرائد والكتب . وفى حلقة أخرى تجد رجلا نائماً وسيدة عجوز، تطلب من المار «سيجارة»، وتقول أنها لا تريد شيئا فقط سيجارة ، وعندما أعطيتها سيجارة وحاولت الحديث عن أسباب جلوسها فى هذا المكان، كانت لا تستطيع الحديث سوى عن سيجارة. خيم الثوار وفى وسط الميدان تحديداً تجد أكثر من خيمة للثوار، ولكن بها أشخاص قليلون، ولا يزيد عدد الخيم عن عشر خيم، كلها صغيرة وملونة بأعلام مصر، ، وبجوار ذلك كراس وترابيزات وهى شبه كافتيريا ولكن فى الميدان لتقدم مشروبات ساخنة متنوعة، وهناك بجوارها خيم أخرى عليها شعارات ثورية مثل « الحرية للضباط المعتقلين سياسياً»، وأخرى «القصاص للشهداء»، وهم استمروا فى الاعتصام مراراً وتكراراً، بعد فض الميدان أكثر من مرة، أشهرها عندما قام الجيش بفض الميدان عنوة وحرق تلك الخيم إلا أنهم عادوا مرة أخرى. اتاوات ويشهد الميدان اشتباكات, واكد أحد المارة أن هذا يحدث شبه يومي وهذه محاولات من البلطجية لفرض إتاوات على هؤلاء الباعة، وعامل من الباعة رفض الحديث مؤكداً انها حرية شخصية وان وسائل الإعلام لا يجب ان تتدخل فى مثل هذه الأمور. أحد المعتصمين داخل خيمة بوسط الميدان، أشترط أن حديثه لا يمثل الثوار ولكن يمثله شخصياً، وقال أنا اتفق أن ميدان التحرير أصبح مرتعا للبلطجية ولكن هناك ثوارا حقيقيين، هناك شباب نابض يحلم ليعيش، وحتى الحلم ينهار بفض الاعتصام وعدم تحقيق أى طلبات، ووسائل الإعلام المصرية تشوه الصورة الحقيقة للميدان. آخر يتجاوز الخمسين عاماً، قال إن مشكلته ان مرتبه 140 جنيهاً، فكيف يستطيع ان يعيش هو واولاده، مضيفا «ماذا فعلت الثورة حتى الآن»،اعتصمنا عشان تتحسن معيشتنا، والآن المرتب هو هو وبردو مش عارف أعيش، خلينى معتصم أحسن» حلقة نقاشية وآخرون يجلسون فى ركن خاص بهم، يتناقشون حول قرار الاعتصام يوم 25 يناير فى الذكرى الأولى للثورة، وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض، فمجموعة من المعتصمين «بصينية ميدان التحرير» قالوا أنهم سيستمرون فى الاعتصام حتى 25 يناير، مشيرين إلى أن عدد المعتصمين سوف يزيد يوم 25 يناير، بينما رفض آخرون الفكرة، مشيرين الى أنه لا ضرورة للاعتصام فى الوقت الحالى فى ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة. حقيقة غائبة «لا أنكر أن في التحرير بلطجية» بهذه العبارة بدأ المحاسب، أحمد سمير حديثه إلينا، قائلاً لا أحد يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة ولكن لا بد ان ندرك حقيقة غائبة عنا، وهى أن التحرير استطاع ان يحتضن الفقراء والمتسولين والفقراء وهؤلاء الأشخاص أفراد فى نفس المجتمع الذى نعيش فيه، ومصر لم تحضنهم بالعطف والرعاية، فمن المسؤول ومن الذى صنع البلطجى، أقولها بصراحة وأرجو أن يستجيب لندائى أحد، التحرير لم شمل الكثير من الفقراء والبلطجية والثوار والشيء المشترك أنهم بحاجة لمجتمع جديد بعد الثورة قادر على التعامل بعطف وتوفير الحياة الكريمة لجميع الطبقات. أما سعاد أحمد، موظفة بقطاع التعليم، فتقول أنها كانت تتعاطف مع الميدان أثناء الثورة، وكانت ترى الثوار الحقيقيين، وترى من ينظف الميدان ومن يجمله، أما الآن فالمظهر الغالب هو البلطجية والبائعون الجائرون، وعلى حد قولها أن مظهر الناس غريب، فمن يدقق فى وجههم يرى أنهم طبقة معدمة، بحاجة إلى جدية فى التعامل معها ومعرفة من يمولها ويساندها. 25 يناير من جديد محمد أبو سليم أحد المعتصمين يبدو عليه الإرهاق البدنى، من هيئته لم يبدو عليه أنه مثقف، فسألته لماذا أنت معتصم ولماذا أنت بانتظار 25 يناير من جديد، قال :أننا ما زلنا فى عهد النظام السابق، ما زال هناك من يغلق الفضائيات والبرامج، مازال هناك من يقتل الشهداء، «الشاب إللى اتقتل فى هندسة إللى عنده 19 سنة ده بلطجى»، وعلامات الحزن على وجهه، قال ان خداع الشعب مستمر، والجيش فقط يقول ان التحرير بلطجية لا أكثر، هل أتخيل أن الذى يضرب ويسحل البشر هؤلاء جنود مصريون انا لا أتخيل ذلك ,وأنا انتظر يوم 25 يناير بفارغ الصبر ليحاكم هؤلاء، معبراً أن هذا اليوم سوف تعود فيه كرامة المصري . وفى النهاية سيبقى ميدان التحرير سرا من أسرار مصر.