اللغة العربية من أسمى اللغات التي ظهرت في تاريخ البشرية, بل هي أسماها على الإطلاق .. حيث كانت هي السائدة ولا يوجد أي لهجة عامية كيف لا وهي اللغة التي خصها الله وميزها وحباها بل واصطفاها واختارها لتكون وعاءاً لأفضل كتبه سبحانه وتعالى وهو القرآن الكريم الذي أنزل على خير البشر نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم , كما كانت هناك لهجات عربية فصحى لكل قبيلة من قبائل العرب إلا أن لغة قريش ظلت هي الأفصح والأقوى لخلوها من العيوب ألا وهي اللغة العربية . في المقابل تغيرت موازين الأمور لدى البعض فنجد هناك من احتجوا وقالوا بأنه ليس هناك دليل شرعي قاطع على أفضلية اللغة العربية على باقي اللغات خصوصاً بعد أن اجتاحت موجة اللغة الإنجليزية كتب الطب وغيرها من العلوم الأخرى وكذلك بعد أن أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر طلباً في أغلب المجالات الوظيفية متناسين أن أصل علوم الطب التي أسسها علماء العرب مثل الفارابي وابن سينا منذ الأزل كانت تدرس باللغة العربية . فأين موقع اللغة العربية اليوم بين اللغات ؟ وهل شارفت صحيح على الانتهاء أم أن متطلبات العصر أصبحت تفرض على العرب تجاهلها ؟ وهل يستحق كل من ينطق بالعربية وليس لديه إنتماء لجذورها " لقب عربي " ؟ أم أن الترفع عن اللغة العربية والدراسة في المدارس الأجنبية أصبح مفخرة لدى العرب . للحديث أكثر حول هذا الموضوع يسعدنا ويشرفنا أن نلتقي بالدكتور كمال سعد أبو المعاطي أستاذ مشارك بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم اللغة العربية وآدابها – جامعة الملك عبدالعزيز بجدة , لنناقش معه أسباب ومعوقات تعريب الطب , بداية سألناه أين كانت اللغة العربية وأين هي مكانتها اليوم ؟ رد قائلاً : إن الناظر لواقع لغتنا العربية اليوم يشعر بألم شديد ، وحسرة مرة ، وذلك بسبب ما وصلت إليه من تردي وضعف على ألسنة أبنائها ، فقد أنزلوها منزلة أقل كثيرا مما يجب أن تحظى به من تقدير واحترام . إن أخطر ما تتعرض له العربية في زماننا هو ذلك العقوق والتنكر الذي تتعرض له في كل مكان خاصة في وسائل الإعلام بأشكالها المتعددة ، سواء في ذلك الوسائل المسموعة أو المقرؤة أو المرئية أو غيرها مما استجد من إعلام الكتروني ...إلخ ، والعجيب أن هذا التنكر الذي يمثل أشد المعاول هدما للغة يأتي من أبنائها وأحبائها ممن يفترض فيهم الدفاع عنها وإعلاء شأنها بين اللغات , خاصة أن المنظمات العالمية قد أعترفت بالعربية لغة عالمية وأنها باتت تحتل بين اللغات المرتبة السادسة من حيث الأهمية والانتشار . وأما عن سؤالك أين كانت العربية ؟ فنظرة سريعة في تراثنا العربي تكشف لك عن مكانة العربية عند أجدادنا من السلف الصالح الذين رعوها حق رعايتها ، وأولوها من التقدير والاحترام ما جعلهم يستخفون بمن يخطيء في استعمالها أو يلحن فيها ، مهما علا شأن ذلك المخطيء ، بل قد يصل الأمر أحيانا إلى التأديب البدني أو النفسي ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أعرض عن قوم تحدثوا أمامه فأخطئوا ، وقال في حق أحدهم عندما لحن في كلامه : أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل . أي أنه - صلى الله عليه وسلم - عد اللحن في الكلام والخطأ فيه من باب الضلال ، وقد علم ذلك لأصحابه ، ولعل قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - ليست ببعيدة عنا ، فقد تسلم خطابا من أبي موسى الأشعري فوجد فيه لحنا ، فكتب إليه : أن قنع كاتبك سوطا ، وفي رواية واصرفه عن عمله . وروي عنه أنه قال : تعلموا العربية فإنها من دينكم . وما روي عن عبد الملك بن مروان من قوله : شيبني صعود المنابر ومخافة اللحن . إلى غير ذلك من المواقف والأقوال التي توضح المنزلة والمكانة السامية التي كانت تحظى بها العربية عند سلفنا الصالح ،، حتى قال ابن تيمية - رحمه الله - : تعلم العربية وتعليمها فرض كفاية على كل مسلم ؛ بل إن بعض العلماء جعله من باب فرض العين والواجب ؛ لأن معرفة علوم الدين وأحكام الشريعة وإيقام بعض العبادات والأركان لا يصح إلا بمعرفة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . ولولا ضيق المقام لأتيتك بالمزيد . س: المعروف أن اللغة العربية تستمد سيادتها وعزتها وهويتها من دينها؛ لأن اللغة هي أصل الدين أو كما يقال: إن الدين لم يُصَغ إلا باللغة العربية؟! لكن في المقابل هناك من يقول أنه لايوجد دليل شرعي على أفضليتها . ماهو تعليقكم على هذا الموضوع لا شك بنيتي في أن اللغة العربية لغة عظيمة ، يعرف ذلك جيدا كل من اطلع عليها وتعلمها وسبر أغوارها وغاص في أسرارها ، ولا شك أيضا في أن العربية هي إحدى مقومات الأمة إلى جانب الدين الإسلامي ، الذي أكسبها مكانة في نفوس الكثيرين الذين حرصوا على تعلم العربية ولازالوا ؛ اعتقاداً منهم بأن تعلمها واجب ديني ؛ لأنه السبيل إلى معرفة القرآن الكريم وفهمه والعمل بما فيه من أحكام وشرائع لقوله تعالى : " إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " وقوله : " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " كما أن تعلم العربية سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله : " تعلموا العربية وعلموها الناس " ولا شك في أن هذه النصوص وغيرها قد أكسبت العربية قداسة في القلوب والعقول جعلتها تفضل غيرها من اللغات مهما بلغ شأن تلك اللغات ومهما زاد عدد المتكلمين بها ، وكفى العربية شرفاً أنها لغة القرآن الكريم وهو آخر الكتب السماوية المنزلة إلى العالمين ، قال تعالى : " قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " وقال عز من قائل : " إن هو إلا ذكر للعالمين " . هذه هي مكانة العربية التي جعلتها فضلى اللغات في نفوس أبنائها وعموم المسلمين ، وقد يزعم بعضهم أن هذه المسوغات مسوغات غير موضوعية ، دفعنا إليها حبنا الشديد للغتنا ودفاعنا عنها وتعاطفنا معها ، أما نحن ، فنرى أنها كأي لغة أخرى تؤدي وظيفتها في إحداث التواصل بين المتحدثين بها دون أفضلية لها في هذا . وأرى أن الرد على هؤلاء لابد أن يكون علمياً وموضوعياً ومؤيداً بالشواهد والأدلة التي تدحض وجهة نظرهم ، وحبذا لو كانت الشهادة على ذلك نابعة من بعض علمائهم الذين أتيح لهم فرصة التعمق في معرفة العربية وقيمتها التاريخية وأثرها في إثراء الحضارة الإنسانية على مر العصور ، ويحضرني الآن قول المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس : إن في الإسلام سندا هاما للغة العربية ، أبقى على روعتها وخلودها ، فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث في اللغات القديمة المماثلة كاللاتينية التي انزوت تماما بين جدران المعابد " وقول المستشرق الفريد جيوم : " ... ويسهل على المرء أن يدرك مدى استيعاب اللغة العربية واتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية للعالم القديم بكل يسر وسهولة بوجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل والاسم ... ويقدم لذلك أدلة وشواهد علمية يضيق المقام عن ذكرها ، لافتاً النظر إلى أبرز سمات العربية وأنها لغة اشتقاقية نستطيع أن نولد من جذورها آلاف الكلمات ..." وقال د. جورج سارتون ، أستاذ اللغات الشرقية : " وهب الله اللغة العربية مرونة جعلتها قادرة على أن تدون الوحي أحسن تدوين ... بجميع دقائق معنانيه ولغاته ، وأن تعبر عنه بعبارات عليها طلاوة وفيها متانة " إلى غير ذلك من الأقوال التي تعرف للعربية قيمتها ويكفي شهادة ماريو بل ، مؤلف كتاب ( قصة اللغات ) الذي أشاد فيه بالعربية موضحا أنها كانت اللغة العالمية الوحيدة في حضارات العصور الوسطى ، وأنها كانت رافدا عظيما للإنجليزية في نهضتها ، وكثير من اللغات الأوربية ، وقد أورد قاموس " littre "قوائم طويلة للمفردات التي اقتبستها لغات العالم من العربية ، وكانت أولها الأسبانية ثم الفرنسية والإيطالية واليونانية والمجرية والأرمنية والروسية وغيرها . وتقدر هذه المفردات بالآلآف . ولعل في هذه الشهادات مايكفي للرد على من يقلل من قيمة العربية أو يحاول النيل منها ومن منزلتها بين اللغات ، وكما قالوا : الفضل ما شهدت به الأعداء . س: لماذا أصبح الكثير من العرب لا يفتخر بلغته ولايتعمق في مفرداتها بينما نجدهم يجولون الأرض ويتغربون لأقصى شمالها وجنوبها لتعلم اللغة الأخرى وبين أيديهم أسمى لغة " لغة القرآن " ؟ هذه هي الطامة الكبرى التي استطاع أعداء العربية والمتربصين بها أن ينفذوا منها إلى أبنائنا بعد أن نجحوا في غزونا فكرياً من خلال إعلامهم الموجه ليل نهار والذي نجح _ للأسف الشديد - في أن يجعل العربية غريبة في ديارها وعلى ألسنة أبنائها ، لقد أصبح كل من يلتزم الفصحى في كلامه مثار سخرية واستهزاء جموع الناس ،والمؤسف أننا قد نصادف هذه السخرية في كثير من الأوساط العلمية والثقافية االمنوط بها حماية العربية والذود عنها ، ونظرة سريعة إلى ما يجري في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الثقافية تكفي لبيان مدى التشويه و الظلم شبه المتعمد الواقع على لغتنا الجميلة ، أضف إلى ذلك ما يقوم به أصحاب الشركات من تعزيز للغات الأجنبية على حساب العربية ؛ عندما يشترطون في شغل الوظائف ضرورة إتقان لغة أجنبية أو أكثر ، حتى وإن كانت الوظيفة الشاغرة لا تحتاج إلى ذلك ، ولكنها عقدة الخواجة التي تمكنت منا حتى النخاع .، كل هذه الظروف يا عزيزتي ، وغيرها كثير ، دفعت الشباب دفعاً إلى هجر لغتهم والسعي وراء تعلم لغات أخرى علها تضمن لهم وظيفة أو تنقلهم إلى مستوى اجتماعي أفضل من وجهة نظرهم . والحديث عن هذه الظاهرة يطول . س: أذكر لي مثالاً تشبه فيه من تخلى عن لغة القرآن ولجأ إلى غيرها ؟ بداية أنا لست ضد تعلم لغة أجنبة أو أكثر ، خاصة إذا كانت هناك ضرورة علمية أو عملية ( حياتية ) لذلك . ولا حرج من الناحية الشرعية في ذلك ، فكلنا يعلم قول النبي " من تعلم لغة قوم أمن شرهم " ودعوته لأحد أصحابه أن يتعلم العبرية ؛ ليعلم ما تمكر به اليهود للمسلمين ، ولكن في مقابل ذلك فأنا ضد أن يتم ذلك على حساب اللغة العربية التي هي جزء مهم من هويتنا الإسلامية ، وقوم من أهم مقومات حياتنا ، فاللغة هي حاملة ثقافتنا ورسالتنا إلى العالم وهي الرابط الموحد بيننا ، والمكون لبنية أفكارنا والصلة بيننا وبين أجيالنا المتعاقبة ...ومن ثم فإنني أشبه من يفرط في لغته بمن يفرط في شرفه ويضيع هويته ‘ فالعربية هي الهوية لكل عربي . أما بالنسبة حول سؤالنا له عن رأيه حول مسألة تعريب الطب للغة العربية , رد قائلاً : لازال الجدل قائماً في عالمنا العربي حول تعليم العلوم بالعربية أو بلغات أجنبية منذ أوائل القرن العشرين، ولم يَحسم العرب هذا الجدل بعد، بل إن أمر تعريب العلوم في بعض الدول العربية قد صادف في الآونة الأخيرة تراجعًا هائلاً في عدة دول عربية من أبرزها مصر، والتمثيل بمصر على اعتبار أنها- شئنا أم أبينا- من أكثر الدول تأثيرا في دول المنطقة ، وقد تراجعت حركة تعريب العلوم فيها بشكل يخشى منه على مستقبل التعليم بمراحله المختلفة في الدول العربية ،فقد صارت العديد من الكليات الجامعية التي كانت تدرِّس العلوم الإنسانية باللغة العربية، ذات قسمين: قسم يدرسها بالعربية، وقسم آخر بلغات أجنبية، ونرى هذا في كليات:الحقوق والتجارة والاقتصاد والعلوم السياسية ...وهي ظاهرة خطيرة ، لا ينبغي أن نقف أمامها دون تنبيه على سلبياتها التي تزيد كثيرا عن بعض الإيجابيات التي يراها بعض المتخصصين وجمهور المثقفين الذين يروا أن استخدام اللغة الأجنبية في التعليم في مؤسسات التعليم العالي، وبخاصة في الكليات العملية كالطب والهندسة والعلوم، صار ضرورة لا مفر منها إذ يرى هؤلاء أن هذه المواد أجنبية المولد والنشأة بأفكارها وتجاربها ومصطلحاتها، وقد تراكمت على امتداد سنوات طويلة حتى استعصت على تناولها بأية لغة غير تلك التي أنجبتها، وأن محاولة تدريسها باللغة العربية إجراء فاشل وعبث لا جدوى من تطبيقه ، ولهذا فإن مجرد التفكير في تعريب هذه المواد أو ترجمتها ضرب من المخاطرة بالمادة والطالب. ويرى فريق آخر أن تدريس هذه المواد باللغة العربية ضرورة وطنية وقومية ودينية، ويؤكدون أن اللغة العربية قادرة على استيعاب المواد العلمية واحتوائها، وأن تاريخ اللغة العربية يقدم الأدلة على قدرتها، وأن غيرنا من الأمم أصر على أن يقتصر التعليم على لغاتها الوطنية وقد نجحت تلك الدول التي أزاحت كل عقبة، وذلّلت كل صعوبة بإصرارها وإرادتها. والحق أن بعض الدراسات التي أجراها عدد من الباحثين ومنها الدراسة التي أشرت إليها تؤكد على أن تقديم هذه العلوم وتدريسها باللغة العربية التي هي لغة الطالب له من الفوائد الكثير ، ويكفي أنه يتيح للطالب فرصة أكبر في فهم واستيعاب تلك المواد بدل أن يبذل مجهوداً في ترجمة ما يقدم له ، ثم محاولة فهمه ، وما في هذا من إضاعة للوقت والجهد . ويرى الدكتور "أحمد فؤاد باشا" أحد أنصار تعريب العلوم، وهو في الوقت نفسه العميد الأسبق لكلية العلوم في جامعة القاهرة: أن التعريب حتمية لا مفرَ منها إذا كنا نريد التقدم علميًّا وبصورة فعلية، هذه الحقيقة استوعبها علماء الحضارة الإسلامية عندما ترجموا معارف السابقين إلى اللغة العربية، واستوعبها أيضًا الغربيون عندما ترجموا علوم الحضارة الإسلامية في أوائل عصر النهضة الأوروبية الحديثة، وتعيها اليوم كل الأمم التي تدرس العلوم بلغاتها الوطنية، في سعي حثيثٍ نحو المشاركة الفعَّالة في إنتاج المعرفة وتشييد صرح الحضارة. والحديث عن هذه الضرورة قد تجاوز الآن- فيما أرى - مرحلة الإقناع بالأدلة والبراهين المستقاة من حقائق التاريخ، ومعطيات الواقع المعاش، وعليه أن ينتقل إلى مرحلة التخطيط والتنفيذ، وفق أسس وضمانات منهجية مدروسة، وعن طريق آليات ومؤسسات قادرة على إنجاز هذا المشروع الذي يحفظ للأمة هويتها . س: نصيحة توجهها للأجيال العربية ؟ حافظوا أيها الأبناء على لغتكم ، واعلموا أنها من أشرف اللغات ، وأنها معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد ، واحرصوا على إتقانها ومعرفة أسرارها ، وافتحوا بها العالم كما فعل أسلافكم ، وأعيدوا للعربية مجدها ‘ الذي تستمده من مجدكم ، واعلموا أن اللغات تموت وتحيا بحياة أهلها أو موتهم . من جهة أخرى التقت صحيفة " شرق " بالدكتور سالم سليمان الخماش , أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة الملك عبدالعزيز بجدة , لنناقشه حول نفس قضية تعريب الطب . بداية سألناه ما هو رأيكم لو تم تعريب الطب للغة العربية ؟ وكيف سيكون أثره على العالم العربي ؟ وما مدى تقبل المجتمع لهذه الفكرة ؟ وما هي الخطوات المستقبلية التي يجب أخذها بالاعتبار من وجهة نظركم لتحقيق الدراسة التي أجريت في كلية الطب بجامعة الملك فيصل للدفاع عن تعليم الطب باللغة العربية والتي قامت بها الدكتورة بارفين رشيد والسيد أمين خان اتضح من خلالها أن نسبة المصطلحات الطبية في كتب الطب لا تزيد عن 3.3 % من مجموع الكلمات وأن الطالب الذي يدرس باللغة العربية تزداد سرعته 43% وتتحسن قدرته على الاستيعاب 15% عما لو قرأ باللغة الإنجليزية , رد قائلاً : هذه قضية قديمة وشائكة، وحلولها ليست واضحة، وليست سهلة بالطريقة التي تصورها هذه الدراسة؛ لأن لها أبعادا متعددة ومتقاطعة. وفي نظري أن العالم العربي ليس مهيئاً اليوم للاستعاضة عن تقديم عدد من العلوم الحديثة باللغة العربية. الإشكال ليس في اللغة العربية ذاتها، وطبيعتها ونظامها، بل ربما أستطيع القول بأن العربية تملك من مقومات إنتاج المصطلحات أكثر من غيرها، فهي لغة اشتقاقية ذات إمكانات لغوية عالية، ويمكن اشتقاق ما يربو على خمسين كلمة من أصل واحد. لكن المشكلة تكمن في استعداد المؤسسات الأكاديمية واللغوية للقيام بمثل هذه الخطوة. نحن نعرف أن العلوم الحديثة كالطب مثلا تتطور بشكل سريع وهائل، ومعظم الدراسات والمعارف نستقيها من مصادر غربية، ومن يكتب وينشر في هذه اللغة ليسوا من الغربيين فقط، فقد يكونون هنوداً أو روساً، أو آسيويين. لكن في النهاية هذه العلوم والأبحاث تُضخ يومياً إلى أوعية نشر تستخدم اللغة الإنجليزية. أقول هذا الكلام وأفكر في موقع يعرفه معظم طلاب الطب وممارسيه، وهو uptodate ، هذا الموقع يستقي معلوماته الطبية وطرق العلاج والأدوية من 466 مجلة طبية. هذا الموقع يستشيره كل يوم مئات الآلاف من الأطباء عندما يريدون الاطلاع على أحدث المعلومات الطبية. هناك أيضا مئات الآلاف من الكتب التي تتضمن أحدث المعلومات الطبية والطرق العلاجية. المسألة كما قلت لا تتعلق بالعربية من حيث هي لغة، وإنما تتعلق بنقص الإمكانات التي تنقل هذا الكم الهائل من المعلومات المتغيرة في كل لحظة إلى اللغة العربية. وعليه فقضية أن يمضي الطالب وقتاً أقصر في مطالعة مقالة طبية وفهمها باللغة العربية ليست بالأمر المهم إذا نظرنا إلى المسألة من كل جوانبها، وأخذنا في الاعتبار المعلومة الحديثة والموثقة التي يمكن يحصل عليها من المصادر الإنجليزية . كما أضاف الدكتور الخماش رأيه حول علاقة تدريس اللغة العربية في المجالات المختلفة على سبيل المثال الفنون الجميلة والعلوم التطبيقة وعلوم البحار , رد قائلاً : تدريس مادة اللغة العربية في المجالات المختلفة في الجامعة ومنها العلوم التطبيقية، وعلوم البحار، جاء تلبية لقرارات وزارة التعليم العالي التي تقضي بوجوب تدريس جميع طلاب الجامعات السعودية مادة اللغة العربية. وهذا ليس بالأمر المستغرب لأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة السعودية، وعلى الطالب أن يتقن مبادئها الأساسية؛ لأنه سيكون يوماً في حاجة لإعداد التقارير أو الأبحاث أو المعاملات بهذه اللغة. وقد رأينا دولاً كثيرة تقرر تدريس لغاتها الرسمية على جميع طلابها، وفي كل التخصصات. قد رأينا ذلك في الجامعات الأمريكية التي تطالب الطلاب الأمريكان وغيرهم باجتياز مستويات معينة في اللغة الإنجليزية. إتقان اللغة بالإضافة إلى فوائده العملية والعلمية يضفي على شخصية الفرد سمات الثقافة والإقناع، والفكر السليم، وهذه أمور بلا شك ستساعده في الحصول على مكانة مرموقة في المجتمع وبيئات العمل. نقرأ عن أناس في أمريكا انخرطوا في برامج تهدف إلى تحسين النطق وتنقيته من شوائب اللهجات والعيوب اللفظية التي تعيقهم عن اجتياز المقابلات الشخصية لطالبي العمل والتوظيف. مشيراً الدكتور سالم ل " شرق " أن اللغة العربية كانت لغة ذات رصيد ثقافي ضخم ومتنوع. لقد كانت لغة العلم، تشهد لذلك الاصطلاحات العلمية المأخوذة من العربية، خاصة في الفلك والرياضيات، والكيمياء، ويكفي أن نذكر أن بعض المصادر قد ذكرت أن 165 اسماً من أسماء النجوم المتداولة في كتب الفلك الحديث ذات أصل عربي. وقد أدَّت الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام إلى امتداد تأثير اللغة العربية في معاجم كثير من اللغات، فنجد بصماتها واضحة في كثير من لغات الشعوب الإسلامية، مثل: الفارسية، والتركية، والأردية، ولغة الهوسا، والصومالية، والتشادية والسواحيلية وغيرها. ولم يقف تأثير العربية عند هذه اللغات فحسب، بل تعدى ذلك إلى بعض اللغات الأوروبية، وتشير الدراسات المتعلقة باللغة الإسبانية إلى وجود ما يربو على أربعة آلاف كلمة مقترضة من العربية (بما في ذلك المشتقات)، وما يزيد عن ألف جذر في اللغة الإسبانية من أصول عربية، وهذا الحجم يعادل 8% من مفردات معجم الإسبانية. وتُعَدُّ العربيةُ أيضًا اللغةَ السابعةَ في قائمة اللغات التي أسهمت في إثراء معجم اللغة الإنجليزية. يذكر لنا حبيب سلوم أنه وزميله Jame Peteres جيم بيتيرس قاما بفحص ما يقارب من 500,000 (خمسمائة ألف) كلمة إنجليزية، وجدا منها 5000 آلاف كلمة إنجليزية ذات علاقة باللغة العربية. هذا ماضيها، وهذه آثار ذلك الماضي الجميل. أما اليوم فتأثير العربية في اصطلاحات العلوم والفنون ضعيف جدا، إن لم يكن معدوماً. وتأثيرها في اللغات الأخرى لا يتعدى تلك الأسماء التي تدور في الأخبار والأحداث المتعلقة بالعالم العربي أو الإسلامي، مثل: jihad، intifadah، وغيرها. الدراسات تقول إن مقالة بالإنجليزية تحتوي على ثروة لفظية ومصطلحات أكثر بكثير من مقال بالعربية. العربية بثروتها المعجمية الضخمة أضحت حبيسة المعاجم، ولم تعد أدوات تعبير نشطة في عقول متحدثيها. ما يملكه العربي من مفردات لا يتجاوز بضع مئات، بينما يمتلك نظيره الإنجليزي الآلاف من الكلمات والمصطلحات. إننا لا نعرف أسماء النبات المحيط بنا، ولا نعرف أسماء محتويات بيوتنا وأثاثنا. إننا نعبر عن الأشياء بجمل طويلة، وليس بكلمات محددة؛ لقد فقدنا فقه اللغة والمفردات. عندما نتكلم عن الأفضلية يجب أن نوضح في أي مجال وفي أي سياق نتكلم. أفضلية العربية الدينية ليست لأنها لغة تتفوق على اللغات الأخرى. هذه مقولة لا يجرؤ أكاديمي أن يصرح بها؛ لأنها يجب أن تصدر بعد دراسات مسحية واسعة تشمل عدداً كبيراً من اللغات، نقارن بينها من حيث أنظمتها، ومفرداتها، وتصوراتها للعالم والأشياء. هذا يصعب القيام به، وإن افترضنا أن قمنا به، فلا نضمن نتيجة موافقة لأهوائنا؛ فهناك كما يذكر علماء اللغة والأنثروبولوجيا (علم الإناسة) لغات بدائية أكثر تركيباً وأدق تفصيلاً في أنظمتها، وضمائرها، ومفرداتها، وحالاتها الإعرابية من لغات الشعوب المتقدمة ثقافياً وعلمياً. لكن يمكننا وبكل اطمئنان أن نقول بأفضلية العربية الدينية والثقافية لأمور غير لغوية. لا أريد أن أتعرض إلى ما رُوي من آثار وأحاديث في هذا الشأن، لأنه قد يشوب بعضها ضعف، أو يتطرق إليها شك. ولكن أود أن أؤكد هذه الميزة من جوانب أخرى، منها أن العربية لسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي نزل بها القرآن الكريم الذي يحمل بين دفتيه هدى الإسلام للناس أجمعين، وهي كذلك لغة الحديث الشريف، ولا غنى لعالم في هذين العلمين، أو فيما يتفرع عنهما من علوم الشريعة كالفقه وأصوله، والحديث وعلومه، عن تعلم هذه اللغة الشريفة (لشرف هذا الدين)، ومعرفة أساليبها، وإتقان قواعدها. ولمكانة هذه اللغة من العلوم الإسلامية لم يفرط فيها أهلها، ولم يستبدلوا بها غيرها، فاستمرت على مدى الأزمان والأجيال متداولة. فأصبحت أقدم اللغات الحية على وجه الأرض. هذا منحها ميزة لغوية بين اللغات السامية التي انقرض معظمها ولم يكن هناك من سبيل إلى درسها أو بعثها إلا بالاستعانة بالعربية ذات الخصائص السامية الأصيلة، وذات المعجم الضخم الذي استعان به علماء الساميات في حل كثير من الصعوبات المعجمية المتعلقة باللغات السامية المندثرة. ومقارنة العربية بالساميات الأخرى توضح مدى احتفاظ هذه اللغة بأصوات السامية الأولى، فقد احتفظت بمعظم الأصوات السامية الصامتة (الحروف)؛ فعدد الحروف الصامتة في السامية الأولى 29حرفًا، تغير منها عن نطقه السامي الأصلي أربعةٌ فقط في العربية، في حين تغير عن نطقه السامي الأصلي ستةُ حروف في كلٍّ من الإثيوبية والعبرية، وسبعة في الآرامية، وعشرة في الأكادية. ونجد علماء التوراة والعهد القديم المكتوب باللغة العبرية القديمة يلجئون إلى معاجم اللغة العربية لفهم كثير من المفردات التي خفيت معانيها عنهم منذ أمد طويل. يؤكد هذه الحقيقة مؤلفا كتاب Beyond Babel "وراء بابل" وهو كتاب يرصد قيمة اللغة العربية في دراسات التوراة والعهد القديم، حيث يؤكد مؤلفاه أنه بالنظر إلى ما تمتلكه العربية من ثروة لغوية واسعة، وما تحتفظ به من سمات اللغة السامية الأولى، كعلامات الإعراب والنظام التصريفي اللذين لا تمتلكهما أي لغة سامية أخرى، استمرت العربيةُ إلى عهد قريبٍ اللغةَ الأولى المعتمدة في الدراسات التوراتية المقارنة. وهذا يجعل المشتغلين بالدراسات الجادة للنصوص التوراتية بحاجة إلى رصيدٍ من المعرفة الأساسية بهذه اللغة. وتُعد اللغة العربية إحدى الأسس السامية التي اعتُمد عليها في إحياء اللغة العبرية الحديثة بعد أن كانت شبه مهجورة. أما مكانة اللغة العربية على الساحة العلمية واللغوية والثقافية في الماضي ما كانت لتكون واقعا عالميا بدون الحضارة العربية الإسلامية، التي كانت حضارة منتجة في مجال العلوم والفنون، ومهيمنة لقوة أهلها ومنعتهم. أما اليوم فقد تخلى العرب والمسلمون عن مقدمة الركب الثقافي والعلمي، واثر ذلك على لغتهم لأنها لم تعد لغة منتجة للعلوم أو الفنون، وأصبح زمام الأمر لدى أقوام أخرى. وقد حدث تطور غير مسبوق في القرن العشرين يساوي أضعاف ما أنجزته الإنسانية طوال خمسة آلاف سنة. وقد قاد هذا التطور دول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية. هؤلاء هم أصحاب هذا التقدم الهائل، وهم الذين نشروه بلغاتهم وخاصة الإنجليزية، وهم واضعو كتبه، واصطلاحاته. فأصبحت لغتهم مرغوبة، يسعى إلى تعلمها العربي، والصيني والقاصي والداني. وقد مكنتهم حضارتهم، وقوتهم العسكرية من الهيمنة على معظم بلاد العالم، فنشروا لغتهم وثقافتهم. ومن امتلك ناصية العلم، وزمام الفن جعل الناس له أتباعاً، وأصبح لهم إماماً. وهذه هي سنة الحياة وطباع البشر. وليس هناك من سبيل إلى تغيير هذا المسار إلا بامتلاك زمامي العلم والقوة مرة أخرى، وهما على أية حال متلازمان أبدا، ومتى تأتى ذلك أصبحت لغة هذه الأمة وعاداتها، وآدابها وثقافتها مثالاً يُحتذى، ونموذجاً يُقتدى، وشرفاً يدّعى. مضيفاً شبهاً بسيطاً لمن استبدل لغته العربية في حديثه بغيرها كاللباس والزي القومي، فكما يستهجن ارتداء لباس غريب، كذلك يستقبح استعمال المرء لغة غريبة بين قومه وأهله . مما يجعل المرء مدعاة للسخرية ومحطاً للاستهزاء، فهي كالعادات الاجتماعية، وأنا أستغرب جدا من أناس لا يتقنون الإنجليزية ولا يعرفون منها إلا هاي وباي وما شابههما، تجدهم يتعسفون ويتعجرفون فيستبدلون كلمة "بالطبع" ب of course، أو "قدْ، بالفعل" ب already، أو "ألوان" ب colors وكأن ليس هناك كلمة عربية تقوم مقامها. إن مثل هذا السلوك ممجوج ومرفوض وينبئ عن مركب نقص مخزٍ. وقد حذّر شيخُ الإسلام ابنُ تيمية من اتخاذ غير اللسان العربي وسيلةً للخطاب بين العرب، قائلا: "وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية، التي هي شعار الإسلام، ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للِمصْر وأهله، أو لأهل الدار، للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أنّ هذا مكروه". لكن بصفة عامة أقول إن كل لغة تمتلك من المفردات والأساليب ما تستطيع به التعبير عما يختلج في النفس ويضطرب في الصدور. كل لغة أو لنقل معظم اللغات تمتلك مفردات تعبر عن الحب والكره، الشوق والسأم، الشك واليقين، الخوف والشجاعة ...إلخ. ولكن لكل لغة تصوراتها التي تؤطر بها هذه الأفكار. فمثلا العقل في العربية جاء من فكرة "الحبس والربط" لأنهم رأوا أهم دور للعقل هو منع الإنسان من التهور والوقوع في الخطأ، و"النفْس" (بسكون الفاء) جاءت من النّفَس (بفتح الفاء)؛ لأنه أوضح علامة بقاء النفس في الجسد، وكذلك الروح جاءت من جذر (روح) الذي أمدنا بمفردات تحرك الهواء (الريح)، والنسمة التي تعني "روح" أو "حي" جاءت أيضا من النسَم "الهواء اللين"، والنسيم "الريح الرخاء". ما قصدته هو أن كل لغة تتصور العالم والمعاني تصوراً خاصا، قد لا يشاركها فيه غيرها. أختتم لقائنا بالدكتور سالم بنصيحة قدمها لأبناء الأمة العربية أن يكون لديهم غيرة على هذه اللغة، فينظروا إليها على أنها لغة أجدادهم وأسلافهم، ولغة دينهم ولسان نبيهم، وألا يفرطوا في أي جزئية منها. مضيفاً قوله " إني باعتباري أحد المهتمين بهذه اللغة، أرى أن فقد أي صوت من أصواتها التي تميزت بها على غيرها من اللغات السامية خسارة كبرى لا تعوض. لقد تميزت هذه اللغة بالاحتفاظ بالأصوات الصعبة في السامية الأم: ذ، ظ، ض، ث، غ، خ، ع. ق، فعلينا أن ننطق بهذه الأصوات كما كان ينطقها أجدادنا وأسلافنا العرب، وألا نستبدلها بغيرها. كذلك يوجد هناك مفردات عربية أصيلة في لهجاتنا الحاضرة، علينا أن نحتفظ بهذه المفردات التي ربما يعود بعضها إلى عصور السامية الأولى السحيقة " .