قضت محكمة الجنايات في أبوظبي أخيراً، ببراءة امرأة من تهمة الاتجار في البشر بعد استماع المحكمة إلى تسجيلات مرفقة بالقضية، وتبين عدم خضوع إرادة المجني عليها لأي وسيلة من وسائل الإكراه المالي أو المعنوي أو ما يعيب إرادتها. كما دفع محامي المتهمة، علي العبادي، بعدم توافر شرط وجود أي شكل من أشكال الإجبار أو التأثير في إرادة المجني عليها لارتكاب أي فعل، باعتباره أحد الأركان الثلاثة التي يجب توافرها في جريمة الاتجار في البشر، التي تصل عقوبة الإدانة فيها إلى السجن المؤبد. وتعود وقائع الدعوى إلى ورود معلومات لأجهزة الشرطة تفيد بأن امرأة تبيع فتيات من دول عربية للراغبين مقابل مبالغ مالية مختلفة، فاتفق أحد رجال الأمن باعتباره زبوناً مع المرأة على شراء فتاة من دولة عربية بقيمة 40 ألف درهم، وبعد استصدار إذن من النيابة العامة وموافقة النائب العام الشفهية على تصوير الواقعة صوتاً وصورة، أعد رجال الشرطة الكمين في 20 يونيو الماضي، وحضرت المرأة وبرفقتها الفتاة في سيارة أجرة، وركبت سيارة رجل الأمن ثم نزلت معه، وعاينا الفتاة ثم عادا إلى السيارة، وبعد ذلك ركبت الفتاة معهما في الكرسي الخلفي، وتم القبض على المتهمة وضبط 38 ألف درهم بحقيبتها. وفي محضر الشرطة وتحقيقات النيابة، قالت المجني عليها إنها أثناء وجودها في بلدها التقت بالمتهمة وأخبرتها بأنها تعرف شخصاً يستطيع توفير عمل لها في أحد المقاهي بالإمارات، فسلمتها جواز سفرها ومبلغ 3000 درهم، وبعد فترة استخرجت لها تأشيرة سياحية، ودخلت الدولة بداية شهر يونيو الماضي، واستقبلها أحد الأشخاص وأخذ منها جواز سفرها وتأشيرتها واصطحبها إلى سكنه في إمارة عجمان، ثم أخبرها بأنها ستذهب إلى إمارة أبوظبي في سيارة أجرة، وأن هناك امرأة تدعى (ه) ستوفر لها عملا.، وأضافت أنها انتقلت بالفعل إلى أبوظبي ومكثت بصحبة (ه) لمدة أسبوع، وخلال تلك الفترة كانت (ه) تبحث لها عن عمل إلى أن وجدت لها عملاً في أحد مقاهي أبوظبي، وطلبت جواز سفرها من الشخص الذي قابلها في المطار إلا أنه رفض وطلب منها 19 ألف درهم مقابله، فاتصلت بالمتهمة وأبلغتها بأنها ستبلغ الشرطة إذا لم يرد لها جواز سفرها، فطلبت منها المتهمة مقابلتها في شقتها، ومكثت بصحبتها أسبوعاً آخر. وتابعت المجني عليها، في يوم الواقعة أبلغتها المتهمة بأنها ستعمل في مقهى بدبي وصاحب المقهى يريد أن يراها، وذهبت معها إلى رجل الأمن المتخفي الذي ألقى القبض على المتهمة. وفي التحقيقات أنكرت المتهمة الاتهام المنسوب إليها، وأكّدت أن شخصاً اتصل بها وأخبرها أن مواطناً يريد أن يتزوج فتاة زواج مسيار، وهو ما أخبرت به المجني عليها أثناء ذهابهما إليه في سيارة الأجرة. فيما قال الشرطي الذي قام بدور المشتري إنه وردته معلومات بأن المتهمة لديها فتاة عربية ترغب في بيعها بقصد الاستغلال الجنسي، وبعد أن تأكّد من صحة المعلومات اتصل بها واتفق معها على شراء الفتاة ب40 ألف درهم. وفي جلسة المحاكمة بتاريخ 22 أغسطس الماضي، شهدت المجني عليها بأن المتهمة لم تبلغها بقصة زواج المسيار، وإنما ذهبت معها للقاء شخص سيبحث لها عن عمل، فيما أنكرت المتهمة التهمة المنسوبة إليها. وفي الجلسة التالية طالب محامي المتهمة ضم شريط تسجيل واقعة الضبط وتم تفريغ الشريط في الجلسة التالية بحضور المتهمة ومحاميها، ولاحظت المحكمة أنه لم يدر حوار بين المتهمة ورجل الأمن حول ما يفيد الزواج، وبعد أن أنكرت المتهمة أنها نفسها الموجودة في التسجيلات عادت وأقرت بأنها هي، فيما طالب المحامي بندب خبير أصوات من تلفزيون أبوظبي. وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إن المادة الأولى من القانون الاتحادي رقم (51) لسنة 2006 عرّفت الاتجار في البشر بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو ترحيلهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة الضعف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال بكل أشكاله سواء جنسياً أو دعارة الغير أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء، وكذلك الوسيلة المتبعة في الجريمة مثل التهديد أو الاحتيال، أو غيرهما، كما أن رضا المجني عليه ليس محل اعتبار في حال ثبتت ممارسة الجاني وسائل غير مشروعة للتأثير في إرادته، وفي حالة توافر الرضا الصحيح من المجني عليه بالنسبة للاستغلال الجنسي على نحو يخلو من وسائل التأثير في الإرادة فإنه تنتفي معها جريمة الاتجار في البشر ويمكن أن تقوم به جريمة أخرى مثل استغلال البغاء والدعارة. وأشارت المحكمة إلى أنها بناء على ما تقدم فإنها لم تطمئن إلى صحة الاتهام المنسوب للمتهمة وذلك لعدم خضوع إرادة المجني عليها لأي وسيلة من وسائل الإكراه المادي أو المعنوي أو ما يعيب إرادتها، ولا يمكن القول إن حجز جواز سفرها يعد وسيلة من وسائل الإكراه، لأن المجني عليها قررت أنها دخلت الدولة للبحث عن عمل وأنها وجدت عملاً بالفعل إلا أن الشخص الذي استقبلها في المطار رفض تسليمها جواز السفر وساومها لدفع مبلغ مالي فهددته بأنها ستبلغ الشرطة ما يعني أنها تعلم بأنه في إمكانها استرداد جواز سفرها عن طريق الشرطة، وبالتالي لا يعد حجز الجواز وسيلة إكراه. كما ثبت من تفريغ التسجيلات أنها كانت موافقة على الذهاب مع رجل الأمن إلى منزله، وكانت لها حرية الحركة ويمكنها أن تغادر المنزل وقتما تشاء، بالإضافة إلى أن الأمر المنطقي أن يدفع المشتري الثمن للمتهمة ويأخذ السلعة (المجني عليها) إلا أن الثابت أن المتهمة أخذت 2000 درهم وأخذت المجني عليها 38 ألف درهم، بما يقطع بموافقتها على الذهاب معه. ومن ثم ينتفي ركن مهم من أركان جريمة الاتجار في البشر ولهذا حكمت المحكمة ببراءة المتهمة.