في كل لحظة من تلك الساعات المقيدة دقائقها .. تأتي فرصة الحصول على أمل انطواء صفحة غبرتها الأيام وغطتها غيمة الماضي الأليم...ومن ضمن تلك الصفحات .. هذه الصفحة!!! ....صرخة سمعها الواقفون في محطة القطار في إحدى مدن فرنسا ينتظرون القطار ،فإذا بإمرأة خمسينية تسرع إلى شابة تقف فتأخذها في أحضانها وتقبلها وهي تبكي وتقول: منذ كم وأنت هنا في هذه المدينة؟؟ منذ قرابة ستة أشهر - - تعلمين أني أعيش هنا، ولم أرك منذ خمس سنوات، ومع ذلك ستة أشهر وانت هنا ولا تفكرين في زيارتي، تعلمين يابنتي كم اشتقت إليك؟ - قالت: كنت مشغولة !! - مشغولة عن زيارة أمك؟؟ ووصلت القطار فاستأذنت البنت مسرعة وقالت: لديّ موعد، أنا مشغولة أراك لاحقا.. ثم تركت أمها في لهفتها وحسرتها وحرقتها وذهبت.. كان الموقف يثير الشفقة في أوله على الأم الملهوفة التي طالما اشتاقت لرؤية ابتنها وفرحت كثيرا بلقياها.. فتحول بعد لحظة إلى موقف يثير الاشمئزاز من تصرف ابنتها وقسوة قلبها .. بل يثير الاشمئزاز من حضارة بلغت بأصحابها هذا المبلغ من الجفاء والعقوق وقطيعة الرحم ... ليست هذه مواقف شاذة، إنما هي طبيعة حياة فرضتها حضارة تعظم الجسد والمادة على حساب الروح والدين، وتقدم المصالح على حساب الأخلاق ، فلا مكان للعلاقات الاجتماعية، أو بر الوالدين، أو صلة الأرحام، أو الإحسان إلى الجيران. في مثل هذه الحضارة اخترعوا يوم يسمى عيد الأم أو يوم الأم يزورونها فيه بعد أن قاطعوها طيلة العام، ويقدمون إليها فيه هدية لعلها تنسيها هم السنة، ويحسنون إليها فيه بعد أن أساءوا إليها عاما كاملا. أما في دين الإسلام فهذه كلها أعياد بدعية ، وخرافات جاهلية ،فلا مكان لهذا في ديننا الحنيف لأن الدين عظم حقوق الأمهات وأمر بصلتهم وحسن التعامل معهم ونهانا عن عقوقهم . و في الإسلام صلة الرحم ديانة وحق يجب القيام به، ومن قطع رحمه التي أمر الله بوصلها فهو ملعون ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم)) فمن قرأ القرآن علم حق الأرحام وحق الجيران ومن باب أولى حق الوالدين عموما والأمهات خصوصا.. فالأم في الإسلام كل يوم لها عيد، لكن تخصيص يوم واحد تحترم فيه وتوقر وتبر ويهدى إليها الهدايا إنما هو إساءة تربوية ومخالفة دينية وفوضى أخلاقية فضلاً عن أن يكون بدعة مخترعة في دين الله كما قرره علماء المسلمين. وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً طيبة محمد- المدينة المنورة