إن إقامة العدل وأداء الحقوق والقيام بالواجبات من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها،كما أن الظلم والكيل بمكيالين سبب هلاكها وزوالها،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ولهذا يروى: " إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة " اه. قال الله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل...) سرقت امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يقيم عليها الحدَّ ويقطع يدها، فذهب قومها إلى بعض الصحابة ليشفع عند رسول الله ثم ذهبوا إلى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أسامة حبَّا شديدًا. فلما شفع أسامة لتلكم المرأة تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له:" أتشفع في حد من حدود الله ؟!". ثم قام صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس وقال:" فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد،وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها ". وسار على نهجه وعدله صحابته من بعده فسطروا في ذلك أعظم المواقف ولا غروا فهم تلاميذ مدرسة النبوة. يروى لنا من ذلك أنه أقيم سباق للخيالة في مصر في ولاية عمرو بن العاص لها في زمن خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان من ضمن المتسابقين ابن أمير مصر ابن عمرو بن العاص فسبقه قبطي فغضب ابن الأمير فنزل للقبطي وضربه وقال له: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟! فلم يستطع القبطي فعل شيء بابن الأمير فعاد إلى البيت باكياً حزيناً وأخبر والده فغضب واستشار بعض القوم فقالوا له : أرفع شكواك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب فإنه لا يُظلم عنده أحد. فرفع شكواه إلى عمر في المدينة. فأمر عمر بإحضار عمرو وابنه وطلب الغلام القبطي وأباه فلما حضروا حكم عمر أن يضرب الغلام ابن عمرو بن العاص كما ضربه وقال له : اضرب ابن الأكرمين.ثم قال عمر للغلام :اضرب والد ابن الأكرمين عمرو بن العاص! فقال له القبطي: لا حاجة لي فقد أخذت حقى , فقال عمر (( لا... بل أجر الدُرة ( عصى عمر ) على صلعة عمرو ابن العاص فما ضربك هذا إلا بسلطان أبية فقال: لا والله. فالتفت عمر إلى عمرو وقال له " ياعمرو،متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟!. أي عدل،وأي إنصاف كان عند أسلافنا؟؟ شاب قبطي ليس مسلماً وضد ابن الأمير وكسب الرهان! إنه العدل يا سادة في أسمى صورة وأبهى حلّة،ولذلك كان أميرهم ينام تحت شجرة في ضاحية من ضواحي المدينة آمناً مطمئناً لأنه عندما حكم عدل فأمن فنام قرير العين مطمئن الفؤاد،فيا قوم إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا *** إن التشبه بالكرام فلاح الحديث عن هذا الموضوع وعن مثل تلكم النماذج يطول ويطول ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق وموقف واحد من تلك المواقف يحمل الكثير والكثير من الدروس والعبر إنها: مواقف عجز البيان عنها *** فالسكوت هو اللسان الفصيح. عبد الله عوبدان الصيعري - شرورة [email protected]