في مسارب الحياة ومنعطفاتها ربما صادفتَ (فئة) من خلق الله ممن يئسوا من اللحاق بركب الفالحين، وفقدوا الأمل في ان يكونوا شيئا مذكورا مع من وفقهم الله أو (ابتلاهم) برفعة الشأن والصيت. بين هذه الفئة هناك من يعتريه الخلل وتهتز أركان نفسه فلا يرى في جمال الدنيا حسناً، ولا يقرّ لأحدٍ من الناس بخير. مثل هذه الكائنات تخالط الناس وواحدهم يتميّز من الغيرة ويتملّكه الشعور بالقهر من نجاح الآخرين ، وبدلا من أن ينشغل هذا البائس بتطوير ذاته ، تراه ينسحب إلى زوايا التربص والترصد ليذهب عمره وهو يتتبع عيوب رفاقه الناجحين، وينشر في كل فرصة سانحة ما يعرف أو ما يسمع من نقائصهم التي هي دليل بشريتهم، وبرهان اكتمال آدميتهم كما قدّر الخالق الحكيم. ومصيبة بعض هؤلاء أنهم لا يتساءلون كيف تاهت بهم خطاهم عن سبل النجاح فتراهم يتطفّلون على هوامش الحياة منشغلين بلوم كل بشر وشتم كل حجر، وهم لا يكلّون ولا يملّون من الهمز واللمز ومراقبة الناس وكأن واحدهم (سلة المهملات التي لا تجمع إلا الفضلات). ومن خصائص التركيبة النفسية لهؤلاء أنهم إذا رأوا صاحب منصب اشتهر بالصرامة والحزم فهو في نظرهم إما متكبّر أو متعجرف فإن كان سهلًا لينا ورحموه (وهم لا يرحمون) قالوا عنه ذاك ضعيف لا سلطة له، فإن ذاع صيته وشاع ذكره لأعماله ومبادراته قالوا هو لا يعمل إلا من أجل الشهرة، وإن انكفأ ومارس عمله بهدوء وصمت قالوا " جبان" يخشى فقدان جاهه ومنصبه. وبين هؤلاء المرضى من إذا رأى صاحب مال وتجارة فهو عندهم جامعٌ لمال حرام، ولديهم العلم اليقين انه لا يؤدي زكاته ولا يعطي الناس حقوقهم ، وهو إن ركب سيارة فارهة، أوسكن منزلا ليحدّث بنعمة ربه فهو في همسهم - وهم يتناولون أطايب مائدته - يستعرض ماله، ويباهي بثروته، وان اقتصد وقنع قالوا تبّاً لهذا المقتّر البخيل، وقد لا يتورعون عن الدعاء عليه بالفقر وزوال النعمة. أما صاحب العلم والصلاح والمبدأ الذي يقدّمه الناس ويستمعون لعلمه ومشورته فهو إما مُراءٍ أفّاق، أو منافق سلطة يتكسب بعلمه وقلمه، وإن نجاه الله من هذه التهم فهو عندهم مصنّف ضمن هذا التيار أو ذاك. وتجد بين هؤلاء من يصدر في محكمة النوايا صكوك أحكامه غيبة أو بهتاناً وكأنه فتّش قلب ضحيته وكشف عن خزائن ضميره ومنها عرف كل ما يظهر ويبطن، وقد لا يتورع أتباع هؤلاء الحاسدين لصاحب العلم والمبدأ عن تتبع ونشر مثالبه ومن ثم تأليب شياطين الجن والإنس عليه دون ان يرف لواحدهم جفن. ** مسارات : قال ومضى: رأت الذبابة صقراً يحوم فاشتكت للدجاجة وقالت هل ترين الصقر وهو يتباهى بصيده .. ألا يعلم المغرور أن هذا بسبب قدرته على الطيران في الأعالي ، فردت الدجاجة : وأنت أيتها الذبابة ألستِ تطيرين مثل النحلة ولكنها بعكسك لا تهبط إلا على أطايب الزهر؟!