قد لا تكون قطع كبد نيّئ انتُزِع من جمل ذُبِح للتوّ إفطاراً شهياً لكثيرين، لكن البعض في شمال السودان يرى أن هذه أفضل وسيلة لبدء اليوم، بل ويعتبرونه فطور الأبطال. وفي قرية تمبول ذات المساكن المنخفضة المبنية بالطين والحجارة، فإن سوق الجمال هي المكان الذي يتجمّع فيه عشّاق الكبد النيئ؛ لإشباع شهيتهم من الطعام المحلي أسبوعياً. ومع طلوع فجر يوم السبت وقف مبارك محمد أحمد (57 عاماً) على جانب الطريق السريع القادم من الخرطوم في انتظار سيارة تقلّه إلى السوق؛ لعله يحظى بإفطار شهي بكبد نيئ. ومثل كثيرين غيره في المنطقة يقسم أحمد أن الوجبة لها فوائد صحية عديدة رغم أن بعض تلك المزاعم قد تكون محلّ جدل على أفضل تقدير. وقال أحمد: "إذا أكلت الكبد يمكنني البقاء في الشمس لفترة طويلة دون الشعور بالتعب"، وسيكون هذا أقرب إلى معجزة تحت شمس السودان الحارقة. وأضاف: "إنه يمنحني كثيراً من الطاقة، ويحسّن مزاجي." وفي كوخ صغير ذي حوائط خضراء، وبه بضعة مقاعد بلاستيكية، تغسل مريم بخيت قطعة كبيرة من الكبد قبل أن تضعها سريعاً في إناء مع قليل من الليمون وشرائح البصل وصلصة الفول السوداني. قالت مريم وهي تعرض الطبق مع الفلفل الحارّ والليمون: "الأفضل ألا يُغسَل الكبد.. لكن إن كان ولا بد.. ينبغي غسله مرة واحدة حتى تحصل على أكبر فوائد ممكنة." ويُؤكل الكبد مباشرة بأصابع اليد دون استخدام أدوات المائدة. وقال عبدالله عبد المحمود (45 عاماً)، وهو يقضم قطعة في كوخ مريم: "طعمه رائع.. إنه وجبتي المفضّلة." ويقول عشّاق الكبد النيئ: إن السبب في مذاقها اللذيذ هو كونها طازجة. وفي الحقيقة يبدأ الانتظار في الساحة المفتوحة، حيث يتم جلب الإبل للذبح مع طلوع الفجر. ويمكن أن يكون المشهد مروعاً بالنسبة لمن لم يجرّبوا من قبل، حيث يبدأ قصاب بملابس مخضّبة بالدم في سلخ الذبيحة، وبجواره عنقها المفصولة، وفي غضون لحظات يتمّ تقطيع الأرجل وغيرها من أجزاء الجمل. وعندما يتوقّف سكين القصاب، يكون كل ما يتركه هو بقعة دماء على الأرض، وكومة مصنفة من الأمعاء والأعضاء واللحم على عربة خشبية يجرّها حمار. وقال عبدالعظيم علي (50 عاماً) بينما كان يشاهد ذبح جمل: "آكل الكبد النيئ منذ وُلِدت.. تماماً مثل أبي وجدي من قبلي." ومع إخراج الكبد من الجمل المذبوح ووضعه على العربة الخشبية أخذ مالكها أحمد محمد قطعة وقذفها في فمه غير مكترث بالدماء التي لا تزال تتساقط منها. وأوضح محمد وهو يبتسم ابتسامة عريضة حاملاً سكيناً مخضّباً بالدم: "لا داعي لطبخه؛ لأن الطبخ يجعله صلباً كالحجر." وأضاف: "بعض الناس يقلّبونه مع قليل من الزيت على النار، لكنه أفضل كثيراً بهذه الطريقة. عندما يخرج الكبد من الجمل.. يكون لا يزال ساخناً في يدك ولذيذاً." ورغم أن المحليّين ينظرون إلى الكبد النيئ على أنه صحي وبلا أضرار، وثّقت دراسة مشتركة بين المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض ووزارة الصحة السعودية في 2005 حالات إصابة بالطاعون في قرية سعودية نائية؛ بسبب تناول أكباد إبل نيّئة مصابة. وعندما قيل ذلك لمحمد، سخر من الفكرة. وقال: "لم أمرض قط من أكل هذا، الكبد صحي للغاية .. إنه مثل تناول الدواء".