يحكا في زمن من الأزمان أن شاهبندراً للتجار كان له كاتب بديع , لا يحسن أحدٌ مثل كتابته , ولا يجاري مثقفٌ حسن بيانه , حتى أن الناس صاروا يحسبون لهذا الشاهبندر ألف حساب بسبب كاتبه هذا الذي أصبح يستطيع بجرة قلم أن يقيم ما لا يستقيم . ومع مرور الأيام دخل الحساد بالوشاية بين الشاهبندر وكاتبه , ونموا إليه زوراً بأن كاتبه يأخذ الرشوة , فامتلأ الشاهبندر غلاً وحقداً , وضاق صدره منه , فأصبح لا يدنيه من مجلسه إليه , ولا يستقبله ولا ينظر إليه . ثم تراكمت الأوراق والمعاملات في مكتب الشاهبندر , وامتلأت الدوسيهات بالمعاملات المتأخرة , فطلب من مساعديه أن يأتوه بكاتب حسن السيرة نقي السريرة , طيب المنبع زهي المطلع , رضي المربَع , لا يبذر بالحبر تبذيراً , ولا يتلف من الورق قطميراً , إن ارتقا صهوة القلم أذهل الفوارس , وهاب تسطيره الروم وفارس , إن استشير أشار بالرأي السديد , ولا يأخذ الرشا ولا يلين للوعيد , مخلص أمين , كريم رزين , شجاع مقدام , لا يقبل الباطل ولا الحرام , عفيف النظر , غضيض البصر , ثم أقسم الشاهبندر على مساعديه إن لم يأتوه بكاتبٍ يمتلك هذه الأوصاف , ليذبحنهم واحداً واحداً ذبح الخراف , وجعل موعدهم بعد ثلاثة شهور , ثم قال : يا ويله ويا ظلام ليله من سيتخلف عن الحضور . فأسقط في أيدي مساعدي الشاهبندر, وراحوا يبحثون في كل أرض وتحت كل فضاء , عن الكاتب الخطير , فما تركوا كاتباً إلا وشدو الرحال إليه , وما سمعوا عن مثقف إلا ووقفوا بين يديه , دون فائدة تذكر . ثم إن هناك رجل يدعى (سداح القصاب) قبيح المظهر ردي المنظر , سيء الأخلاق , صلفٌ نهَّاق , عديم الأمانة , سيئ الديانة , إن أمنته ذبابه على قذاةٍ خانها , أو استأمنه جرذٌ على عرضِ فأرةٍ ما صانها , أخباره مسفوفة غير مألوفة , وحكايته مع أتان جاره مروية معروفه , قوته من بقايا المزابل على مضض من ذويها , فإن مر بجوار سفيهِ قومٍ زاده تسفيهاً , متفيهق متمنطقٌ أبله , فاق في سوء الطباع كل من قبله , أبعجُ أرعجُ أرغجُ أصنجُ أهوج, ساهٍ رقيع , لفرائض الدين مفرطٌ ومضيع , مأفونٌ أخرقُ عفيك , يأنف من خلطته أردى الصعاليك , مرقان هبنقعٌ ... ( أرجوا ألا تسألوني عن معاني المفردات ) ويقال أنه لقب بالقصاب لأنه كان يسرق القصب ليبني به زريبة لأتان كان يهواها !! والقلب وما يهوى . وفي يوم من الأيام كان (سداح القصاب) وانتم بالكرامة !! يبحث في مزابل القبيلة عن طعامٍ يأكله , وعند مروره بدار شيخ القبيلة وجد في مزبلة الدار ما كان يرجوه من سقط الطعام ,ووجد بالمزبلة عباءة مشقوقة وعمامة مخرقة , فأخذها وبينما هو يقلبها خطرت في باله تلك الفكرة . . . فقال لنفسه : بدلاً من ترددي على هذه المزابل لماذا لا أذهب بجوار منزل شاهبندر التجار وسأجد في مزبلته ما لذ وطاب من الأصناف الشهية والوجبات النادرة , صحيح أن الحراس كانوا يمنعونني من الاقتراب من منزل الشاهبندر ولكن الآن بعد أن أصبحت لدي هذه العباءة وهذه العمامة سأستطيع أن أمر من جوار الحرس وكأني أحد الأعيان حتى أصل إلى المزبلة وآكل منها ما لذ وطاب , المهم أن أخفي شقوق العباءة وخروق العمامة . اقترب موعد مساعدي الشاهبندر, وهو متلهف أن يلتقي بالكاتب الجديد , وحان موعد لقاء الشاهبندر بمساعديه , وبدأت الوفود بالدخول , وبينما هم كذلك إذ لمح أحد الحراس أحدَ هؤلاء النبلاء يقف بجوار المزابل وهو ممسكاً بإحدى يديه ناحية من عباءته , وبالأخرى مؤخرة عمامته , محاولاً إخفاء عيوب لباسه بيديه , طبعا كلنا عرفنا من هو هذا الشخص , المهم بعد أن شاهد الحارس (سداح القصاب) يقف بجوار المزبلة , خاف أن يكون رداء هذا النبيل قد اتسخ بسبب مروره بجوار المزبلة , فانطلق إليه يجر سيفه فما إن رأى (سداح القصاب) الحارس مقبلاً نحوه حتى شمر عن ساقيه وأنطلق , لولا أن الحارس أمسك بيده وأخذ يقبلها ويعتذر من اتساخ ثوبه بسبب الأوساخ , وأخذ الحارس ينادي اثنين من البنقالية المسئولين عن النظافة وأمرهم بجمع النفايات ورميها بعيداً عن طريق ضيوف شاهبندر التجار , ثم أخذ يجره بيده وهو يرحب به حتى أدخله قصر الشاهبندر وهو يقول أسرع يا سيدي موعدكم مع الشاهبندر سيبدأ بعد ربع ساعة , ثم أدخله لقاعةٍ خاصة وقد اجتمع بها مساعدو الشاهبندر جميعهم , ثم سار به وهو آخذ بيده حتى أوصله لذلك الكرسي الذي لا يفصله عن مكان جلوس الشاهبندر إلا رجلين . أخذ مساعدو الشاهبندر يتهامسون ما الذي سيحل بهم ؟؟ وما هي العقوبة التي سينزلها الشاهبندر عليهم ؟؟ , فهم لم يحصلوا على مطلب الشاهبندر وها هو سيدخل عليهم بعد دقائق , وكلهم ينظرون إلى ساعاتهم , الله يستر ... , أشغلهم هذا الهم حتى أنهم لم ينتبهوا للضيف الجديد , كما أن سداح القصاب كذلك كان جالساً , إلا أن هناك ما يشغله فقد عصرت الغازات بطنه وأبت أن تخرج رغم محاولاته الحثيثة في إخراجها , هو لن يرهق نفسه في سبيل إخراجها بهدوء , فالأمر عنده سيان فهو سداح القصاب . بعد دقائق دخل الشاهبندر ثم سلم وجلس وأخذ ينظر أمامه ثم التفت إليهم وقال أين الكاتب الذي أمرتكم أن تأتوني به ؟؟ الجميع خائف لم يستطع الرد , وسداح القصاب يتألم من بطنه , ثم أعاد الشاهبندر سؤاله مرة ثانية ولكن بصوت أجهر , حتى فزع كل من في المجلس , وفجأة وبدون مقدمات دوى صوت قوي أشبه بصوت رشاش .. إنه بطن (سداح القصاب) , إنه لم يكلف نفسه أن يعدل الوضع إلى الصامت , أو أن يخفف درجة الصوت على أقل تقدير , .... ارتج المجلس من هول الإحراج , وازداد خوفهم من الشاهبندر الذي استمر في سؤاله لأنه لم ينتبه لذلك الصوت الرنان , ثم قال للمرة الثالثة أين هو هذا الكاتب الذي جئتموني به , من شدة الخوف ضن مساعدو الشاهبندر أنه يسألهم عن مصدر ذلك الصوت , فأشار الجميع بأياديهم وبقلب رجل واحد إلى (سداح القصاب) هذا هو . نظر الشاهبندر إلى (سداح القصاب) نظرة تعجب فهو لا يبدو عليه شيء من مظاهر الثقافة أو من ملامح الحصافة , ولا يميز قسماته شيء من الذكاء أو يبين عليها سمات الدهاء , فما لبث أن تحولت تلك النظرة إلى نظرة إكبار وإجلال , ثم تمتم الشاهبندر في سره قائلاً: هذا ديدن العظماء تخفي سرائرهم من الفطنة والحكمة ما لا تبديه ظواهرهم , ثم قال لمساعديه أحسنتم الاختيار . ثم أن الشاهبندر قربه منه وأدناه من مكتبه , وأحسن ضيافته وأهداه خادماً وجاريتين , وحصانا وجوال N95 , واشتهر (سداح القصاب) بين الناس وذاع صيته تحت لقب كاتب الشاهبندر , وبيني وبينكم لا يعرف أحد من العامة أو الخاصة إلى اليوم حقيقة المؤهلات التي تم ترشيحه على إثرها لذلك المنصب , فقط المساعدين الذين رشحوه بدون قصد عندما سمعوا وشموا مؤهلاته العلمية , وشهاداته الغازية . أحب الشاهبندر سداح القصاب وأصبح سداح القصاب ذلك الأحمق المأفون من المقربين في مجالس الأعيان لأجل عيون الشاهبندر, وتنفذ كل طلباته بسبب توصيات الشاهبندر, أحب (سداح القصاب) أن يكون ممثلاً في التلفزيون فكان له ذلك , فأصبح علماً من أعلام الثقافة والفن ووقف معه الشاهبندر متغافلاً عن عيوبه وسانده , فصار هو من يؤلف المسلسل ويمثله وينتجه ولو أنه استطاع أن يقوم هو بتصويره لفعل ثم أصبح هو المخرج والكل في الكل ثم (طاش..) في عالم التمثيل كلَّ (..مطاش) فصدق نفسه , وأقنعه مساعدو الشاهبندر لا سامحهم الله أن يبدأ بتمثيل معاناة الناس والمشاكل الإنسانية , وإظهار أوجه النقص في المؤسسات العامة ,والمرافق والخدمات الاجتماعية , وفعلاً فعل فقَبِلَه كل من عرفه وجهل ماضيه , وافتتن به كثير وأصبحوا من مريديه , ثم إنه وبعد أن تمكن من قلوب مشاهديه , عادت عاداته للظهور , وأدهش مسامع الناس بمؤهلاته وهو فرح مسرور , وأصبح يري الناس من سوء أخلاقه في مسلسلاته , ويحكي لهم عن عهره وفساده في تمثيلياته . ولكن رئيس الهيئة ذالك الرجل الوقور الذي يحرس الفضيلة ويحارب الرذيلة غضب من حماقات (سداح القصاب) , صحيح أن لرئيس الهيئة بعض أخطاء في إنكاره لا تُنْكر , ولكن الناس لا زالوا يحفظون له حسن صنيعه في حماية أعراضهم وتخليص بناتهم من تربص الذئاب , ومع كل ذلك هم لن يكفوا عن تقديم النصح والتوجيه لرئيس الهيئة والوقوف معه والصبر على هفواته التي بدأ يتفهمها , ودعوته بكل السبل لتصحيحها . أما (سداح القصاب) - أكرم الله الملائكة والقارئين - فلا يوجد عنده أبغض من رئيس الهيئة , لأن (سداح القصاب) بعد تلك الفضيحة التي وقعت له , أصبح يحلم أن يصيب العار والشنار كل بنت من بنات البلد , ويصر كثير من المحللين الاقتصاديين أنه كان من الأفضل لسداح القصاب لو أنه سعى إلى إصلاح جرته المكسورة ولصقها بشريط لاصق , وحفظها , بدلاً من سعيه إلى كسر جرار الآخرين , ورغم أن علماء الأخلاق يقولون إللي انكسر عمره ما يتصلح , لذلك فقد رأى (سداح القصاب) أنه من الأنسب والأريح له اجتماعياً أن يفقد جميع من حوله جرارهم , ليسلم هو من نظرات العار , فتُقتل الفضيلة ويتفرق دمها بين القبائل , وفي المثل القديم يقولون: (ودت البغي....) وهو نفس معنى المثل القائل وَدَّ سداح القصاب .. ) المهم أن (سداح القصاب) - أعزكم الله - جمع كل خيله ورجله لإهانة الهيئة , وهم صابرون , وفي العام التالي عرَّض بهم وهم صامتون , وبعدها بعام لمح باسمهم وهم ساكتون , الله يهديهم ..!! ,كان المفروض أنهم أوقفوه عند حده بالوسائل القانونية , ومهما أبدوا أعذاراً بأنهم فضلوا الصبر والاحتساب , فلن يخفف هذا من أسانا , وخسارتنا لكرامة الهيئة حامية الفضيلة . ومع كل احترامي لهم وتبجيلي لقدرهم أعتقد بأن إخواننا في الهيئة يجهلون بأن تلك الإساءة لم تصمهم فقط , بل آذت مشاعرنا جميعاً والله المستعان, فين وصلنا في الحكاية , .. إيه .. , وبعدها بعام ذكر اسمهم وأضاف إليهم القضاة , وأئمة المساجد , والخطباء والمفتين , والعلماء والجميع لا يزالون صابرون محتسبون , وجاء جمس الهيئة والشعار ..!! عجيب من وين جاء الشعار !؟!؟ ممكن إنهم اشتروا الملصق .. ممكن وربما أنهم رسموه في الباب بألوان خشبية !! ورسموا بدلة العسكري المرافق بألوان زيتية !! ورسموا اللحى التي على وجوههم بألوان مائية !! انتهى . وين انتهى ... تو الناس . . لقد أصبح يعرض ببنات المشاهدين فلا يأبهون , فصار كمن يصب لهم ال !؟!؟ وهم يشربون , مازحهم مرةً بأنه سيختار بعض بناتهم معه وراء الكواليس فغضبوا !! فتنحنح , وقال هل صدقتم ؟! إنما أنا أمزح , وما إن جاء المسلسل من جديد , حتى صارت عفاف بنت القبيلة في المسلسل تتمايل بين اثنين من العبيد , وبعد عفاف جاءت صويحباتها وأخذن يتبارين في الدنو منه , وأصبح كل أهل الوادي , .... يرون هذا الأمر الرهيب ......... عادي !! , وقدواتنا مشغولون بلعق جراحهم . سأضطر متأسفاً لقطع هذه الحكاية وذلك لأني أرى أن البعض بدأ يفهم قصدي على غير ما أردت , معتقدين بأني أقصد أشخاصاً بعينهم في هذه الحكاية , وإنما هي حكاية من التراث الصيني أوردتها للعبرة والفائدة , فعلى كل واحد يريد أن يحذو حذو سداح القصاب!! , ألا يحتقر ما لديه من مؤهلات مهما كانت تافهة في نظره , أو نظر الناس , فلننظر كيف أن (سداح القصاب) ذاك المنبوذ .. كابد وصابر حتى حقق الشهرة , رغم أنه لم يكن يملك من المؤهلات إلا الض.......ط . أحمد العواجي – كاتب صحفي [email protected]