اعتنقت مجموعة من الفلسطينيين في الأعوام الأخيرة المذهب الشيعي في قطاع غزة، معقل حركة حماس السنية، وهي اليوم تعد نفسها امتداداً للوجود الإيراني في المنطقة. ويقول المحاسب عبد الرحيم حمد (42 عاماً) الذي أعلن تشيّعه منذ خمسة أعوام لوكالة "فرانس برس": "نحن تيار الشيعة في القطاع نعتبر أنفسنا امتداداً للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولحزب الله، ونعتبر أن هذه الجمهورية مرجعيتنا". ويضيف من منزله في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، حيث يعلِّق صورة كبيرة لعلي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وأخرى لحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: "نتواصل مع الخامنئي وحزب الله مباشرة". ويتابع الرجل بلهجة الواثق من نفسه أن "المستقبل للشيعة، حزب الله هو من سيحرِّر فلسطين، ولن يكون للسنة دور في هذا النصر". ويتابع: "نحن الآن في طور الإعداد في غزة، عددنا بلغ المئات، وسنبدأ بالقيام بنشاطات سياسية قريباً". وبالرغم من أن عددهم لا يُذكَر وسط سكان القطاع الذي تجاوز ال1,5 مليون نسمة، فإن حمد يجزم بأنه سيكون للشيعة "دور كامل في إدارة هذه البلاد بعد تحريرها قريباً على يد حزب الله". أما عبد الناصر المصري (44 عاماً) الذي يعمل مدرساً في إحدى المدارس التابعة لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فأعلن تشيُّعه بعد حرب يوليو 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والتي ارتفعت على إثرها شعبية حسن نصر الله بشكل كبير في الأراضي الفلسطينية. ويعترف المصري بأن "حسن نصر الله هو السبب في تشيعي من شدة حبي له". ولم يلقَ إعلان المصري قبولاً لدى عائلته أو بين زملائه في العمل. لكن حماس تقلِّل من أهمية هذه الظاهرة، وتعتبرها ضرباً من "التعاطف والإعجاب" بإيران وحزب الله دون أيّ دلالة عقائدية دينية. ويقول المستشار السياسي لرئيس وزراء حكومة حماس، أحمد يوسف: "لا يوجد شيعة في غزة، كل ما عندنا هو حالة تعاطف مع حزب الله وإيران". ويتابع: "الموجود هو ظاهرة إعجاب بخطابات حسن نصر و"الرئيس الإيراني محمود" أحمدي نجاد في تحدي الغطرسة الإسرائيلية والأمريكية، في ظلّ التحوّل الغربي الذي ينظر للحركات الإسلامية من منظار العداوة والإرهاب". وبالرغم من الموقف المُعلَن لحماس، أكَّد المصري أن الأجهزة الأمنية التابعة للحركة استدعته؛ "للتحقيق عدة مرات بتهمة التحريض على الإسلام في أعقاب حملة نظَّمها السلفيون ضدّي في الإعلام، وانتهى الأمر بتعهدي بعدم الإساءة للإسلام". وأكَّد حمد أيضاً أن القوات الأمنية التابعة لحماس استدعته؛ للتحقيق معه بعد أن بدأ مع أقرانه بإنشاء أول حسينية شمال قطاع غزة. ولكنه أضاف: "نحن وحماس في خندق واحد، نحن كشيعة غزة مع حزب الله وإيران وحماس اليوم في نفس الخندق أيضاً"، مؤكِّداً أن الحسينية التي يجري العمل عليها ستُفتَتح قريباً". من جهته أكَّد طاهر النونو المتحدِّث باسم حكومة حماس أن "الحرية الدينية موجودة بالكامل"، مشدّداً في الوقت ذاته على أن "الجميع في قطاع غزة هم مسلمون من أهل السنة والجماعة، ولم نسمع بأيّ طوائف أخرى". وأضاف: "أستبعد تماماً أن تكون إيران تعمل في هذا الإطار في قطاع غزة". وفي إطار النشاطات المرتبطة بالشيعة، قامت جمعية "ملتقى الشقاقي" قبل شهرين بإحياء ذكرى قيام الثورة الإسلامية في إيران، في شمال القطاع. ويقرّ هشام سالم رئيس هذه الجمعية الخيرية، والذي يتردّد عنه تشيّعه، أن جمعيته "تتلقَّى دعمها المالي من إيران" التي زارها في 2007، لكنه يتحفّظ عن الإفصاح عمّا إذا كان قد تشيّع فعلاً، ويكتفي بالقول: "كلنا مسلمون شيعة وسنة". ويُضيف: "أتحدّث أحياناً باسم الشيعة في النقاشات، فأنا مقتنع بما يطرحه المذهب الشيعي، ولا نعتبر هذا جريمة، لكن مذهبي علاقة مع الله". وتتصدّر واجهة غرفة الاستقبال في منزله صور كبيرة لخامنئي وأخرى لحسن نصر الله وثالثة لإبراهيم الشقاقي مؤسّس حركة الجهاد الإسلامي التي كان ينتمي إليها قبل أن ينفصل عنها قبل خمسة أعوام؛ "بسبب إشكاليات تنظيمية من طرف الحركة" لم يوضحها، لكن مقرّبين منه يُعْزونها إلى تشيّعه. ويفضّل غالبية شيعة غزة عدم الإفصاح عن أسمائهم. ويبرّر رجل أعمال يُدعَى "أبو طاهر" (53 عاماً) تشيّع قبل ثلاثة أعوام هذا الحرص بخشيته من أن "يؤثّر ذلك على سفري عبر معبر رفح" الذي يربط بين قطاع غزة ومصر، البوابة الوحيدة لأبناء غزة على العالم الخارجي في ظلّ الحصار الإسرائيلي على القطاع.