إذا ما ذكرت الأهداف المثيرة للجدل على مستوى كرة القدم العالمية دائماً ما يقفز إلى الواجهة، ذلك الهدف الشهير الذي سجّله أسطورة كرة القدم الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا بيده في شباك المنتخب الإنجليزي. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": هذا الأسبوع تمرّ الذكرى الخامسة والعشرون على تلك المباراة التي أُقيمت في الدور ربع النهائي من كأس العالم لعام 1986، والذي استضافته المكسيك. وبسبب فرق التوقيت آنذاك أُقيمت تلك المباراة عند الساعة الثانية عشرة ظهراً وسط حرارة مرتفعة، وكان الحضور في تلك المباراة يقترب من 115 ألف متفرّج. وكان طاقم حكام تلك المباراة يتكوّن من التونسي على بن ناصر كحكم رئيسي والحكم البلغاري بوغدان دوتشيف والكوستاريكي بيرني موريرا. الاختيار كان محايداً وسياسيًّا في آن واحد، كما قال الحكم التونسي ابن ناصر لبي بي سي بالنظر إلى أن المباراة أُقيمت وسط أجواء عدائية بين الأرجنتين وإنجلترا في أعقاب حرب الفولكلاند، والتي انتهت بهزيمة عسكرية للأرجنتين. ورغم مرور ربع قرن على تلك المباراة لا يزال الحكم التونسي علي بن ناصر يتذكّر أدقّ تفاصيلها، ومنها أن الكثيرين من المعلّقين آنذاك شكَّكوا في قدراته على قيادة مباراة في ربع نهائي بطولة كأس العالم. في وجه هذا التشكيك أشهر ابن ناصر سيرته الذاتية وقال في مقابلة خاصة مع بي بي سي: إن كثيرين نسوا أنه كان الحكم الوحيد في العالم الذي قاد مباراتين نهائيتين متتاليتين في بطولة كأس الأمم الأفريقية قبل مونديال عام 1986. لم يكن الاتحاد الدولي آنذاك قد استُحدث منصب مساعد الحكم كما هو الحال في كرة القدم اليوم، آنذاك كان الحكام جميعاً حكاماً رئيسيين، ويتبادلون الأدوار، فيكون أحدهم حكماً رئيسياً في مباراة ثم يكون حاملاً للراية في مباراة أخرى وهكذا. وكانت التعليمات المعطاة للحكام بأن يستعينوا بقرار حاملي الراية إذا كانوا في وضعية أفضل لرؤية هدف أو لعبة مشتركة. وعن ذلك الهدف الذي سجَّله مارادونا بيده كما اعترف لاحقاً، قال علي بن ناصر: "لو عُدت لشريط المباراة ستجدني أنظر إلى زميلي حامل الراية، بينما كنت أعود إلى منتصف الملعب لإعلان الهدف، كنت أنظر إليه لعله يغير رأيه ويعلن بطلان الهدف؛ لأنه كان في وضعية أفضل مني لرؤية اللعبة المشتركة، كان عندي شكّ، لكنه كان شكًّا وليس يقيناً". لم يُشر حامل الراية إلى وجود خطأ، فاعتمد علي بن ناصر الهدف استناداً لتعليمات الفيفا، ورغم اعتراض مهاجم الفريق الإنجليزي جاري لينيكر آنذاك إلا أن الهدف لم يُلغَ. كراهية وأصبح التونسي علي بن ناصر بعد تلك المباراة اسما مكروهاً في إنجلترا بسبب قراره منح الهدف الأول لماردونا. وأوضح ابن ناصر أنه تفهَّم هذه المشاعر؛ إذ إن الإنجليز كانوا يرغبون في الوصول إلى نصف النهائي؛ ليكملوا الرباعية الأوروبية آنذاك. ورغم هذا التفهّم يرى ابن ناصر أنه أدّى واجبه على أكمل وجه، ويؤكّد أن ارتكاب الأخطاء هو جزء من كرة القدم. ويفخر ابن ناصر بتحكيمه لتلك المباراة التي شهدت الهدف الثاني لماردونا، وهو الهدف الذي يعتبره كثير من النقاد الرياضيين الهدف الأجمل في تاريخ كرة القدم، فقد استلم مارادونا الكرة من وسط الملعب ومضى يراوغ كل اللاعبين الإنجليز الذين صادفهم في طريقه قبل أن يضع الكرة في الشباك بعد أن راوغ حارس المرمي الإنجليزي بيتر شيلتون. يقول ابن ناصر: إنه ساهم بشكل كبير في ذلك الهدف عبر إتاحته الاستمرار في اللعب مرات عدة رغم تعرُّض مارادونا لثلاثة أخطاء صريحة من اللاعبين الإنجليز. الذي لا يعرفه كثيرون أن ابن ناصر كان قاب قوسين أو أدني من إفساد الهدف الأشهر في العالم، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، وعن تلك اللحظة يقول: "قبل أن يضع مارادونا الكرة في الشباك كدت أن أطلق صافرتي؛ لاحتساب ركلة جزاء بعد عرقلته من مدافع إنجليزي، لكني تراجعت عن ذلك بعد دخول الكرة الشباك". غطى الهدف الثاني لمارادونا على الهدف الأول، وبات ذلك الهدف الأسطوري حديث العالم لأشهر طويلة بعد انتهاء كأس العالم، ويرى ابن ناصر أنه يجب أن يُشكر؛ لأنه ساهم في الهدف الثاني، وإن كان بطريقة غير مباشرة.