فيما اعتبر مختصون تعديل وزارة العمل للنظام الأساسي لنظام العمل دليلاً على سلبيات هذا النظام في الفترة الماضية، رأى آخرون أن التعديلات الجديدة جاءت متماشية مع الواقع الجديد لسوق العمل بالمملكة، وما يشهده من مشكلات وظروف وتحولات آنية تتطلب ضرورة إجرائها. وأقرت وزارة العمل 38 مادة في نظام العمل الجديد بناء على الصلاحيات الممنوحة للوزير، باستثناء مادة واحدة تتعلق بإجازة اليومين للقطاع الخاص، والتي أعيدت لمجلس الشورى للنظر والدراسة في ضوء اعتراض وملاحظات تقدم بها مجلس الغرف السعودية.
وبناء على الصلاحيات التي منحها مجلس الوزراء لوزير العمل، فإنه يحق لوزير العمل في النظام الجديد رفع ومضاعفة عقوبات مخالفات نظام العمل، كما يتيح للوزارة الاستعانة بمفتشين من خارجها تخصص لهم مكافآت من قيمة غرامات المخالفات.
وتفاوتت درجات الترحيب بالنظام الجديد لوزارة العمل، والذي سيتم العمل به ابتداءً من الخامس من المحرم المقبل، ورأى بعض أقطاب القطاع الخاص أن النظام يعالج الكثير من المشكلات والقضايا التي تشهدها بنود النظام القديم، مشيرين إلى أن النظام أغفل نقاطًا مهمة، كان ينبغي التطرق إليها، وأبرزها إجازة اليومين المطبقة في بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص، إذ يرى القطاع الخاص أن تطبيق هذه الإجازة تضر بمصالحه، وتهدد عملية الإنتاج فيه.
عقود العمل
وأشاد الناشط طارق الغامدي بتعديلات الوزارة الأخيرة على عقود العمل وبنودها، ورأى أن التعديلات جاءت وفق معلومات أكيدة تشير إلى أن أصحاب العمل كانوا يتعمدون تضمين العقود بنودًا تصب في صالحهم، وتهضم حقوق العمال لديهم، مؤكدًا أن هذه التعديلات بنيت على نتائج تحقيقات آلاف القضايا العمالية التي تركزت على نقاط معينة، كانت محل خلاف بين العامل وصاحب العمل.
ووجه مسؤولون في القطاع الخاص انتقادات قوية لبند تم تعديله يختص بالإجازات دون عذر، ورفع النظام الجديد عدد أيام الإجازات دون عذر إلى 30 يومًا، بدلاً من 15 يومًا.
وقال التجار إن هذه التعديلات لها انعكاسات سلبية قوية على قطاع الأعمال، وستسفر عن انخفاض الإنتاجية وتعطيل العمل، وتمنح العمال المتكاسلين والمتهاونين المزيد من الوقت لممارسة كسلهم بشكل قانوني، خصوصًا القطاعات الحيوية مثل الصناعة التي تحتاج إلى وقت لتدريب العمالة، كما أنه يساعد على التسرب الوظيفي.
المرأة في التعديلات
وحظيت التعديلات التي خصت المرأة بإشادة مميزة من القطاع الخاص، ورأى الكثيرون أن المرأة نالت الكثير من حقوقها الشرعية في التعديلات، التي منحتها إجازة عدة بأجر كامل لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام في حال موت زوجها، والحصول على إجازة وضع بأجر كامل لمدة 10 أسابيع، توزعها كيفما تشاء، والحصول على شهر كامل إجازة بأجر كامل إذا كان لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنعت عملها في المهن الخطرة.
القضايا العمالية
وقال المحلل الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة، إن "وزارة العمل عدلت 38 بندًا من نظام العمل". وأضاف: "أعتقد أن البنود التي تستحق التعديل في النظام القديم هي أكثر من هذا الرقم، خصوصًا إذا علمنا أن الكثير من القضايا العمالية الموجودة الآن في مواقع الاختصاص، بسبب غموض بعض بنود النظام القديم".
وتابع: "كان يفترض تعديل عدد كبير من بنود نظام العمل المعمول به في المملكة، ولكن أعتقد أن الأيام المقبلة ربما تشهد المزيد من التعديلات، بما يتماشى مع واقع سوق العمل."
التحولات والتغييرات
وأشار "باعجاجة" إلى أن: "هذه البنود راعت التحولات والتغييرات التي طرأت على سوق العمل خلال الفترة الأخيرة، وبخاصة حالات التلاعب والقفز فوق الأنظمة والقوانين، فيما يخص توطين الوظائف، وإفساح المجال أمام العامل السعودي للعمل في القطاع الخاص".
وأضاف: "المتابع لسوق العمل السعودي في السنوات الماضية، يلحظ أن توطين الوظائف كان محل استخفاف بعض أرباب العمل الذين تلاعبوا ببنود التوطين؛ ما أسفر عن تعزيز السعودة الوهمية، وهدر ملايين الريالات التي أنفقتها الدولة في تدريب آلاف الشباب من أجل تأهيلهم لسوق العمل، وبعد ذلك يتسربون من وظائفهم إلى وظائف أخرى".
وقال: "نجحت التعديلات الأخيرة في علاج بعض هذه السلبيات، ولعل أبرزها سلبية التسرب الوظيفي، وما يترتب عليه من ظلم بين صاحب العمل، الذي كان يتكفل بمصاريف تدريب العامل وتأهيله للعمل في مهنة ما، وبعد ذلك يترك هذا العامل العمل قبل الاستفادة منه، وقد جاء التعديل الأخير ليضمن لصاحب العمل حقوقه المادية، بإلزم العامل بالعمل في المهنة مدة مساوية لفترة تدريبه، أو أنه يدفع لصاحب العمل قيمة ما أنفقه عليه في عملية التدريب".
وأوضح باعجاجة: "إجراء كل هذه التعديلات على نظام العمل يشير إلى السلبيات التي كانت موجودة في النظام القديم، وما نحتاج إليه أكثر من إجراء تعديلات جديدة، هو تطبيق التعديلات والبنود بحذافيرها على الجميع بلا استثناء، بما يضمن حقوق العامل وصاحب العمل، وبما يضمن أيضًا أن يكون لدينا سوق عمل نموذجي، يساعد على الإنتاج والتأهيل والتوطين، وتقل فيه نسبة الخلافات والقضايا العمالية".