لا يختلف اثنان على أن عبارة شاب عاطل أو فتاة غير عاملة لم تعد تسمع في المجالس السعودية كما كان في السابق، في ظل وجود كثير من معارض التوظيف وإعلانات التوظيف المنتشرة في وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك قصص نجاح من التحقوا بالعمل في القطاع الخاص تحديدا، وهو ما يضع علامات استفهام كثيرة حول ما يدور من قصص عن عاطلين لم يجدوا فرص عمل، وكذلك استقرار معدلات البطالة في مستويات عالية مقارنة بحجم الاقتصاد السعودي، إذ أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أخيرا وصول معدل البطالة إلى 11.7%، في النصف الأول من العام الحالي 1436. وعلى الرغم من النظرة السائدة التي تميل إلى تفضيل العمل في القطاع الحكومي على الخاص، نظرا لعدد من المزايا منها ارتفاع نسبة الأجور مقارنة مع القطاع الخاص، والاستقرار الوظيفي، وساعات العمل، إلا أن كثيرا من الشباب الباحثين عن عمل تمكنوا من العمل في القطاع الخاص وفي وظائف جيدة، بعد استثمارهم للبرامج التي طرحتها وزارة العمل خلال السنوات الأخيرة، ما أسهم في رفع نسبة توطين الوظائف. الخبير الاقتصادي سالم باعجاجة وصف ارتفاع نسب التوطين بالمميز، مشيدا بما تقوم به وزارة العمل من جهود من أجل رفع نسبة توطين الوظائف في القطاع الخاص، مطالبا الشباب السعودية بالاستفادة من تلك الوظائف من خلال تنمية مهاراتهم بالتدريب واكتساب الخبرة، إلا أنه أكد أهمية تأهيل السعوديين ليتبوأوا المناصب القيادية في منشآت القطاع الخاص، التي يشغل معظمها وافدون. وقال باعجاجة إن الوظائف القيادية بالقطاع الخاص تمتاز بمهارات معينة وتحتاج كفاءات وكوادر مؤهلة، بإضافة إلى الخبرات العالية، مضيفا: "وبالتالي نلاحظ أن أكثر المنشآت السعودية لا تحبذ توطين المناصب القيادية في منشآتها لأن معظم الكوادر السعودية لا تمتلك الخبرات الكافية والمهارات اللازمة لإدارة تلك المنشآت، ولذلك توجد صعوبة لتوطين تلك الوظائف". وقال باعجاجة إن حل هذه القضية يتمثل في تأهيل الشباب ومنحهم الجرعة الكافية من التدريب حتى يتقنوا الوصول إلى الوظائف القيادية، مشيرا إلى أن الأسباب التي تعوق إحلال السعوديين في تلك الوظائف كثيرة، من ضمنها ارتفاع أجور الموظفين القياديين السعوديين بسبب قلتهم وندرتهم وعدم وجود الوعي الكافي، إضافة إلى عدم توافر الثقة. ويأتي هذا التحول في الوقت الذي تعمل الوزارة أيضا على سد الفجوة بين القطاعين الحكومي والخاص بشكل نسبي، مثل رفع كلفة العمالة الوافدة، والعمل على توفير منظومة الاستقرار الوظيفي من تأمينات اجتماعية وبرنامج حماية الأجور، وتغيير عدد ساعات العمل، والإجازة الأسبوعية، إضافة إلى سعيها لتوفير برامج التدريب والتأهيل للجادين من الشباب، ومساهمة صندوق تنمية الموارد في كلفتها، إضافة إلى تحمله 50% من الأجر، دعما وتحفيزا لمنشآت القطاع الخاص، وتقديم مكافآت لأصحاب الأعمال، تتعلق بمراحل نمو أجور العاملين السعوديين داخل منشآت القطاع الخاص. وعلى الرغم مما أوجدته جهود الوزارة من توفير في الفرص الوظيفية، إلا أن التسرب الوظيفي وعدم الاستقرار في العمل، وهما ما يعاني منهما أصحاب الأعمال، يظلان التحدي الأبرز أمام الوزارة إضافة إلى التوطين الوهمي، إلا أن الوزارة تسعى بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية ومنشآت القطاع الخاص إلى مواجهتها عبر سلسلة من البرامج مثل اشتراط صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف" عند دعمه توطين الوظائف بمنشآت القطاع الخاص ووجود عقد عمل مكتوب بين طرفي العلاقة التعاقدية وفق أحكام نظام العمل، الذي يضمن حقوق الطرفين وينظم العلاقة بينهما ويوضح جميع الحقوق والالتزامات المترتبة على كل منهما. كما قدم الصندوق برامج ومبادرات عدة يهدف من خلالها إلى تحقيق جملة من الأهداف، منها تعزيز الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص، حيث أطلق "هدف" برنامجي مكافأة أجور التوطين، ومكافأة الجدية للعمل الذي يهدف إلى مكافأة الموظف خلال استقراره في المنشأة بمكافآت متعددة تصل إلى 24 شهرا، فضلاً عن برنامج التثقيف المهني المقدم لطالبي العمل الحاليين والمستقبليين، من خلال تقديم برامج نوعية للطلاب في مدارس التعليم العام لتزويدهم بالثقافة المهنية المرجوة في سوق العمل.